علاقات روسیا مع دول  الخلیج الفارسی مع الترکیز على المملکة العربیة السعودیة

اتخذت روسیا ودول الخلیج الفارسی خطوات مهمة عام ۲۰۱۹ لتعزیز علاقاتهم ومن بین الإجراءات الهامة فی هذا الصدد زیارة فلادیمیر بوتین للسعودیة والإمارات وتوقیع عدة وثائق مهمة حول التعاون الإقتصادی.
6 ذو القعدة 1441
رویت 2032
علي أكبر جوكار

اتخذت روسیا ودول الخلیج الفارسی خطوات مهمة عام 2019 لتعزیز علاقاتهم ومن بین الإجراءات الهامة فی هذا الصدد زیارة فلادیمیر بوتین للسعودیة والإمارات وتوقیع عدة وثائق مهمة حول التعاون الإقتصادی. زیادة نشاط السیاسة الخارجیة لروسیا فی الخلیج الفارسی یعتبر ضمن دینامیکیة سیاسة البلاد فی الشرق الأوسط، کما أنه بالإضافة إلى القضایا الثنائیة یسعى إلى تحقیق الأهداف الجیوسیاسیة والاستراتیجیة فی مجال المنافسة الإقلیمیة والعالمیة. لفهم هذه المشکلة بشکل أفضل سنلقی نظرة سریعة على تاریخ علاقاتهم الثنائیة.  بشکل عام یمکن ارجاع نقطة البدایة لتوسّع علاقات روسیا مع بلدان الخلیج الفارسی إلى عام 2000. قبل هذا التاریخ، وفی غضون تکوین هذه الدول (المملکة العربیة السعودیة عام 1932، والکویت عام 1961، وبلدان قطر الثلاث والإمارات العربیة المتحدة والبحرین عام 1971) حتى إنهیار الإتحاد السوفیتی لم تکن هناک علاقة جادة بین الجهتین ولم تکن هناک حتى علاقات دبلوماسیة بین الإتحاد السوفیتی والمملکة العربیة السعودیة.

فی التسعینات وعلى الرغم من العلاقات الدبلوماسیة الرسمیة بین روسیا وتلک الدول ،لکن أجواء العلاقات بشکل عام، لم تکن إیجابیة بسبب التطورات الداخلیة لروسیا (المشاکل الإقتصادیة، اشتباکات مع الإنفصالیین الشیشان المدعومین احیاناَ من قبل السعودیة وقطر) والوضع الدولی، مثل حرب الخلیج الفارسی الأولى وأزمة البلقان. روسیا بعد الصدمات الناتجة عن انهیار الإتحاد السوفیاتی فی التسعینات ومع بدایة رئاسة بوتین عام 2000 ، بدأت فی استعادة وإعادة بناء مکانتها فی النظام الدولی من خلال إصلاح سیاستها الداخلیة والخارجیة. فی غضون ذلک، ارتفاع أسعار الطاقة، وخاصة النفط، فی العقد الأول من القرن الجدید کان عاملاً لمساعدة روسیا فی تحسین الوضع الاقتصادی وحل العدید من المشاکل الداخلیة للبلاد ، کما عززت ثقة المسؤولین الروس فی الساحة الدولیة. وفی هذا السیاق تم تضمین سیاسة توسیع التعاون مع دول مختلفة حول العالم فی استراتیجیة السیاسة الخارجیة الروسیة وکان تعزیز العلاقات مع دول الخلیج الفارسی من ضمن هذه السیاسة.

زیارة الملک عبدالله لموسکو عام 2003 وزیارة الرئیس الروسی فلادیمیر بوتین للریاض عام 2007 وزیارة قطر والإمارات العربیة المتحدة بعد هذه الرحلة کانت حدثا هاماَ لأول مرة فی تاریخ علاقات روسیا مع دول الخلیج الفارسی. زیارة سلمان الملک السعودی إلى موسکو لمدة ثلاثة أیام فی أکتوبر 2017 ، کانت الزیارة الرسمیة الأولى لأعلى سلطة فی المملکة العربیة السعودیة لروسیا (والإتحاد السوفیاتی) الأمر الذی اعتبرته وسائل الإعلام بمثابة تقارب غیر متوقع بین العدوین.

التوقیع على مجموعة من إتفاقیات التعاون الثنائی فی قطاعات النفط والعسکریة والفضاء بما فی ذلک صفقات الأسلحة بقیمة 3 ملیارات دولار و موافقة المملکة العربیة السعودیة على استثمار ملیار دولار فی مشاریع الطاقة الروسیة والتزام الشرکة الروسیة (سیبر) لإنتاج الغاز والبتروکیماویات لبناء مصنع فی السعودیة بقیمة 1.1 ملیار دولار کان من إنجازات هذه الرحلة. التعاون بین البلدین على سیاق أوبک بلاس (أوبک والدول غیر المنتجة للنفط) بهدف تنظیم سوق النفط الذی بدأ فی عام 2016 وأدى إلى استقرار أسعار النفط فی ذلک الوقت، من بین محاور التعاون بین روسیا والمملکة العربیة السعودیة فى السنوات الاخیرة. على الرغم من أن عدم اتفاق الجانبین على خفض إنتاج النفط فی نهایة عام 2019 قد تحدّى هذا التعاون وتسبب فی انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوى لکن فی النهایة، اتفق البلدان على خفض إنتاج النفط فی أبریل من هذا العام  وحافظوا على التعاون فی إطار أوبک بلاس.

ومع ذلک، فإن العلاقات بین روسیا والمملکة العربیة السعودیة لها عوامل للتقارب والاختلاف وهذه العوامل فئتان، العوامل التی تخضع للظروف الدولیة وغیرها من العوامل الثابتة والخاضعة للعلاقات العامة بین الدول. یمکن إدراج بعض المتغیرات الهامة فی العلاقات بین البلدین على النحو التالی.

 أ-  المتغیّر الطاقة:

روسیا والمملکة العربیة السعودیة هما أکبر منتجی النفط من بین أعضاء أوبک وغیره. أهمیة النفط والطاقة فی الاقتصاد، وبالتالی فی السلطة السیاسیة للبلدین أمرٌ هام والحفاظ على التفوق فی إنتاج النفط وتوزیعه أولویة لکلا الجانبین. ولذلک، کان عامل النفط سبب المنافسة والتعاون بین البلدین، برغم من أنه بسبب الظروف الدولیة المتغیرة لسوق الطاقة، ستتغیر المعادلة.

ب- المتغیر الجیوسیاسی:

روسیا على مدى العقد الماضی تسعى إلى لعب دور أکبر فی السیاسة العالمیة.  وفی هذا الصدد، وسعت البلاد علاقاتها مع البلدان والمناطق فی مختلف مناطق العالم وفی هذا الصدد، فإن غرب آسیا و بلدان الخلیج الفارس لهما مکانة خاصة.

الروس لدیهم علاقات متوازنة مع جمیع دول المنطقة ووفقاَ لهذا یعتبرون أنفسهم فی موقع أفضل من الولایات المتحدة التی لها علاقات عدائیة مع إیران وسوریا وفلسطین ولذلک تسعى عن طریق توسیع الإستشارات السیاسیة والتعاون الاقتصادی لإستغلال هذه المیزة الجیوسیاسیة. بالإضافة إلى أن تعزیز الحضور الدولی للبلاد یتطلب أقصى استخدام لجمیع القدرات الجیوسیاسیة.

خطة روسیا لأمن الخلیج الفارسی، التی قدمتها العام الماضی، تقع ضمن هذا الصدد. وهذا مهم للمملکة العربیة السعودیة، التی تعتبر إیران وترکیا منافسیها الإقلیمیین، وبالتالی فإن التعاون مع روسیا أکثر أهمیة لها.

 ج- المتغیر الإقتصادی:

یحتاج الاقتصاد الروسی، الذی هو أصغر بکثیر من منافسیه الدولیین (الولایات المتحدة والصین وأوروبا) ، إلى مزید من التعزیز. غرب آسیا مهمة جدا بسبب الموارد المالیة العالیة سواء من حیث الاستثمار أو من حیث السوق لتصدیر البضائع، وخاصة الأسلحة العسکریة. ومن هنا روسیا بهذا النهج تبحث عن قدرات دول المنطقة، خاصة السعودیة والإتفاقیات الإقتصادیة الموجودة فی هذا الصدد.

 د- المتغیر الأمنی:

المقاتلون المسلمون السنّة ووجودهم فی شمال القوقاز کان واحدة من مشاکل روسیا فی التسعینات. المحاربون الذین کانوا مدعومین مالیاً وأیدیولوجیاً من قبل السعودیة وقطر. إبعاد المسلمین فی روسیا وحتى دول آسیا الوسطى من نفوذ التیارات السلفیة المتطرفة هی إحدى أولویات روسیا التی یمکن القیام بها بشکل أفضل فی إطار التعاون مع دول الخلیج الفارسی.

متغیرات أخرى للتعاون

أزمة سوریا:

من بین القضایا الهامة فی العلاقات بین البلدین هی الإختلافات بین موسکو والریاض حول مسألة سوریا. دعم روسیا السیاسی والعسکری لحکومة بشار الأسد وهو مدعوم من طهران وبالمقابل الدعم السعودی للقوى المعارضة للحکومة المرکزیة السوریة، إنه أحد العوامل التی تضع البلدین بشکل غیر مباشر ضد بعضهما البعض. مع هذا حاولت موسکو عدم الإضرار بسیاستها العامة بإتجاه المملکة العربیة السعودیة وهذا هو الحال أیضًا مع المملکة العربیة السعودیة.

 أزمة الیمن:

کانت سیاسة موسکو فیما یتعلق بهذه الأزمة التی تورطت بها السعودیة هی سیاسة التوازن حتى لا تتضرر العلاقة معها خاصة أن مقاتلو الحوثی مدعومین من طهران فی الحرب مع التحالف السعودی.

وبالتالی قیام روسیا لتعلیق عمل سفارتها فی صنعاء، عاصمة الیمن ونقل موظفی السفارة إلى الریاض بعد أسبوع من اغتیال علی عبد الله صالح فی دیسمبر 2017 ، علامة إیجابیة للریاض التی تدل على إرادة موسکو للحفاظ على التوازن فی المنطقة.

بالطبع، تم الرد على هذا الإجراء بسرعة من قبل الحکام السعودیین ومنذ عام 2017 فصاعدًا، تخلت المملکة العربیة السعودیة عن دعمها السابق لقرارات الأمم المتحدة التی تدین التدخل العسکری الروسی فی أوکرانیا وبدلا من ذلک، قررت التصویت المحاید لهذه القضیة.

 أزمة العلاقات السعودیة القطریة:

بعد القیام بقطع العلاقات الدبلوماسیة مع قطر فی یونیو 2017 من قبل خمس دول عربیة بقیادة السعودیة، حاولت موسکو الحفاظ على حیادها واتخاذ موقف معتدل کما عرضت وساطة بین البلدین فی یولیو 2017.

قضیة حقوق الإنسان ودعم المواقف السعودیة:

بعد القتل المأساوی للصحفی السعودی جمال خاشقجی على ید قوات الأمن السعودیة فی أکتوبر 2018 ، قال بوتین أن روسیا "لا تستطیع أن تبدأ فی تدهور العلاقات مع السعودیة لأنها لا تعرف حقیقة ما حدث." أیضا فی أغسطس 2018، دعمت روسیا السعودیة فی النزاع بین کندا والمملکة العربیة السعودیة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجیة الروسیة ماریا زاخاروفا أنه "من غیر المقبول تسییس قضایا فیما یتعلق بحقوق الإنسان".

بشکل عام، یمکن القول أن هدف روسیا للعلاقات مع المملکة العربیة السعودیة، بالإضافة إلى الشؤون الثنائیة المعتادة، هو تنفیذ الاستراتیجیة الکبرى للبلاد وتوسیع وتعزیز مکانتها فی النظام الدولی وتعزیز التعددیة. الشیء الذی لا یتم تحقیقه بنظرة سیاسیة فحسب, بل یتم عبر مراعاة الأبعاد والقدرات الاقتصادیة، وخاصة الطاقة والأمن.

من ناحیة أخرى، الروس یعرفون جیدًا أنهم یواجهون عقبات صعبة على طول الطریق، مثل الولایات المتحدة والمنافسین مثل أوروبا والصین , نتیجة لذلک ، یحاولون تجنب الحساسیة لأصحاب المصالح الآخرین، بحرکة بطیئة وتدریجیة نحو أهدافها وتعزیز دورها فی خلق التوازن الإقلیمی، وبالتالی الأمن الدولی. الأمر الذی یلقى الإستجابة اللازمة حتى الآن.

"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است