الحوار الإستراتیجی الأمریکی مع العراق وأثره على العلاقات الإیرانیة العراقیة

إن العراق هو أحد أهم رکائز علاقة إیران مع جیرانها. فی الوقت الحاضر، دخل العراق مرحلة مهمة وحساسة بناءَ على اقتراح السید بومبیو لإجراء حوار استراتیجی بین الولایات المتحدة والعراق فی ۷ أبریل ۲۰۲۰.
13 ذو القعدة 1441
رویت 1320
صباح زنگنه

إن العراق هو أحد أهم رکائز علاقة إیران مع جیرانها. فی الوقت الحاضر، دخل العراق مرحلة مهمة وحساسة بناءَ على اقتراح السید بومبیو لإجراء حوار استراتیجی بین الولایات المتحدة والعراق فی 7 أبریل 2020. تأتی هذه الدعوة فی وقت حدثت فیه أشیاء کثیرة فی العراق منها إستشهاد الجنرال قاسم سلیمانی وأبومهدی المهندس، والمظاهرات فی بغداد وثمان محافظات وسط وجنوب العراق. بالتزامن مع الهدوء النسبی فی کردستان والمحافظات الغربیة فی العراق. کذلک تمت الموافقة علیها فی البرلمان العراقی، فی قرار استثنائی بالأغلبیة 171 نائباً حاضراً فی الإجتماع، دعت الحکومة العراقیة إلى اتخاذ خطوات لسحب القوات الأجنبیة من العراق. تم إبلاغ المرسوم للأمریکیین کما بدأ الاستعدادات لها، لکن حکومة عبد المهدی کحکومة مستقیلة لم یکن لدیها القدرة على القیام بذلک.

فی الوقت الحالی، بتعیین السید مصطفى الکاظمی رئیساً لمجلس الوزراء العراقی من الممکن متابعة هذا الأمر، لکن السؤال هو إلى أی مدى یسعى السید الکاظمی لمتابعة هذه المسألة وتفعیلها؟ الجدیر بالذکر هو أن هناک العدید من الغموض حول وجود القوات الأمریکیة والتحالف الدولی فی العراق، لکننا فی هذا المقال سنناقش الحوار الاستراتیجی الأمریکی مع العراق وتأثیره على الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة والإجراءات المتبادلة فی هذا الصدد.

یجب أن ننظر أولاً إلى الإتفاقیات الموجودة بین الطرفین و مدى قانونیتها و تنفیذها. تم توقیع اتفاقیة الأمن الإستراتیجی عام 2008 بین الولایات المتحدة والعراق وانتهت فی عام 2011. بعد ذلک، لم یکن هناک سوى مجرد ترتیبات إداریة بینهما. فی عهد السید نوری المالکی اعتبرت الإتفاقیة الاستراتیجیة والأمنیة المذکورة منتهیة وبالتالی تم انسحاب القوات الأمریکیة. لکن فی عام 2014 ، دعا الجعفری الولایات المتحدة لمساعدة الحکومة العراقیة على محاربة داعش وعادت القوات الأمریکیة إلى العراق. لذا فمن الواضح أن الولایات المتحدة نشرت قواتها فی العراق بدعوة من وزیر الخارجیة العراقی. والمهم هو عدم وجود اتفاق قانونی معتمد فی البرلمان العراقی. والحال إداریاَ هو أن الحکومة العراقیة یمکنها إلغاء هذه الإجراءات.

من المقرر أن تبدأ المحادثات الإستراتیجیة المذکورة الشهر المقبل. لکن السؤال الجدّی هنا ما هو توقع الحکومة العراقیة للقضایا التی یجری التفاوض بشأنها؟ بمعنى آخر ما هو هدف العراق؟ وما التهدیدات التی تواجه الحکومة العراقیة؟

الجواب الأول لهذا السؤال هو أن القضیة الأکثر أهمیة هی تهدید الجماعات الإرهابیة، خاصة تنظیم داعش، الذی بدأ نشاطه مؤخرًا لکنها لم تصل إلى مستوى أنشطتها السابقة وذلک قد یکون مبرر لإبقاء القوات الأمریکیة فی العراق. إذا قرر العراق طرد القوات الأجنبیة فکیف یتم ذلک؟ من خلال التفاوض والحوار أو من خلال استخدام القوة؟ بالنظر إلى أن العدید من الجماعات المقاومة العراقیة تعهدت بطرد القوات الأمریکیة من العراق بعد اغتیال الشهیدین سلیمانی والمهندس، إذا فشلت الحکومة العراقیة فی إخراجهم رسمیاً ومن خلال عملیة التفاوض، فإن قوى المقاومة ستجبر الأمریکیین على الخروج. وبعبارة أخرى، یمکن القول أن وجود هذه الجماعات المقاومة هو رافعة تفاوضیة للحکومة العراقیة وبدون هذه الجماعات، لا تمتلک الحکومة العراقیة أی نقطة إعتماد أخرى فی هذه المفاوضات حتى تتمکن فی الحصول على نقاط من أمریکا. لذلک یجب على الحکومة العراقیة أن تتخذ قراراً حقیقیاً وعملیاً على أساس هذه القضایا مع مراعاة مصالح العراق.

قرار الولایات المتحدة هو الاحتفاظ بقواعدها العسکریة الخمس فی العراق وإغلاق خمس إلى ست قواعد أصغر والتی تحتاج إلى مزید من الحمایة والترکیز على الخمس قواعد کبیرة. من المفترض أن یتم ترکیب شبکات الحمایة باتریوت والشبکات المضادة للصواریخ فی هذه القواعد. یشیر ملخص تصریحات المسؤولین الأمریکیین حول وجودهم فی العراق إلى أن القوات الأمریکیة موجودة لحمایة المصالح الأمریکیة فی العراق. ولذلک من المهم معرفة مصالح الولایات المتحدة فی العراق.

وهنا بعض النقاط یجب أن تؤخذ فی الإعتبار:

الأول هو تقیید الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة والحد من نفوذها فی العراق. والثانی هو حمایة أمن وتفوق النظام الصهیونی فی المنطقة. ثالثاً، حمایة المصالح الاقتصادیة للنفط العراقی والشرکات الأمریکیة الموجودة فی العراق، کما یمنع الروابط البریة بین إیران والعراق وسوریا والبحر الأبیض المتوسط. ما ورد أعلاه هو لمحة موجزة عن اسباب الوجود العسکری الأمریکی فی العراق.

هناک بعض الأشیاء التی یجب ملاحظتها حول الحوار الإستراتیجی بین العراق والولایات المتحدة. أولاً، لم ترد الولایات المتحدة حتى الآن على الهجوم الإسرائیلی على القوات العراقیة. هاجمت إسرائیل مراراً قواعد الحشد الشعبی والجیش العراقی ومواقعهما العسکریة. کما اعلن السید عبد المهدی فی بیان صریح أن الهجمات نفذتها إسرائیل. إذاَ ترید الولایات المتحدة التواجد فی العراق مع قوة عسکریة وإمتلاک أسلحة مثل باتریوت، فهل ستمنع أیضا الهجمات الإسرائیلیة؟ هذا من الأمور التی یجب التأکید علیها فی الحوار العراقی - الأمریکی.

المسألة الثانیة هی الحصانة القضائیة للقوات الأمریکیة. هل ستتمتع القوات الأمریکیة بالحصانة القضائیة؟ کان هذا الموضوع محل النقاش فی زمن السید المالکی وقد شدد على أنه إذا ارتکبت القوات الأمریکیة الجرائم فی العراق، سیتم التعامل معها بحسب القانون العراقی. لم یتم قبول هذا الأمر من قبل الأمریکیین وبالنهایة تم الاتفاق على أنه إذا ارتکبت القوات الأمریکیة جرائم خارج قواعدها أو خارج العملیات المتفق علیها، یمکن للعراق أن یأخذهم إلى المحاکم العراقیة. لکن إذا حدث ذلک أثناء القیام بمهمة أو داخل القواعد الأمریکیة، سوف یتم التعامل معها بموجب القانون الأمریکی. هذه قضیة مهمة وجدیة فی هذا الصدد.

النقطة التالیة هی خطورة تهدید داعش للعراق. هناک معلومات مهمة فی أحدث تقریر من مؤسسة واشنطن تحت عنوان "الحوار الاستراتیجی بین الولایات المتحدة والعراق: قضیة المصالح والتوقعات" کتبه کالتنسلر، داغر و کردسمن و تم نشره فی 1 مایو 2020. نجد من هذا التقریر ، أن داعش لا ینبغی أن تکون هدفاً لسیاسة الولایات المتحدة فی العراق، ویجب أن یکون الهدف الرئیسی هو السیطرة على الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، إذا رفض العراق التعاون مع الولایات المتحدة فی هذا الإتجاه، سوف یکون تحت الحصار والضغوط الإقتصادیة.

السؤال هو هل ینوی الأمریکیون حقاَ تطبیق نمط الدیمقراطیة اللیبرالیة فی العراق کنمط للسیادة الأمریکیة؟ هل یریدون سماع صوت الشعب العراقی؟ هل سیعتبرون أسالیب الإنتخابات الدیمقراطیة معیاراَ؟ یبدو أن هذه القضایا أکثر من أن یکون هدفها المتاح مجرد شعار لانحراف الرأی العام. نتذکر جمیعاَ أنه فی الانتفاضة الشعبیة الواسعة فی العراق عام 1991 ، عندما کانت أکثر من 10 محافظات فی البلاد فی أیدی الناس ذلک الوقت سمحت الولایات المتحدة لصدام الذی کان محاصرًا وممنوعًا من الطیران، باستخدام مروحیات عسکریة لقمع الناس. نظراَ إلى هذا الشاهد التاریخی من الولایات المتحدة، من الواضح أنه لا قیمة للشعب، والانتخابات والدیمقراطیة فی العراق، ما یهم هو مصالح الولایات المتحدة وممارسة الهیمنة الأمریکیة فی المنطقة.

النقطة الأخیرة هی هل سیتمکن العراقیون فعلاً من إجراء هذه الجولة من المفاوضات؟ یبدو أن هذه المحادثات ستجری فی عدة جولات ولن تکون سریعة. لکن هناک أشیاء یمکن أن تساعد العراق.

أولاً، یجب على رئیس الوزراء العراقی التنسیق مع مختلف الجماعات السیاسیة العراقیة حتى لا تدخل فی قضایا خارجة عن الإتفاق السیاسی للأحزاب العراقیة الرئیسیة.

ثانیاً، عرض وزیر الدفاع للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة التعاون مع وزارة الدفاع العراقیة منذ فترة؛ إن ممارسة هذا الإقتراح بالنظر إلى إمکانیة التعاون الدفاعی العراقی الإیرانی أداة قویة للحکومة العراقیة فی المفاوضات الأمنیة العسکریة مع الولایات المتحدة.

ثالثاً، یجب عدم تجاهل قرار البرلمان العراقی بسحب القوات الأمریکیة والأجنبیة فی المحادثات ویجب أن یکون أولویة.

"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است