التساؤلات حول العلاقات الصینیة الأمریکیة

إن قضیة الصین والولایات المتحدة من أهم القضایا الإستراتیجیة الأساسیة فی العالم المعاصر، ولن یکون مبالغة القول بأنّها من أهم القضایا الإستراتیجیة فی النظام الدولی الحالی. سبب أهمیة هذه العلاقة هو کیفیة تأثیرها على طبیعة العلاقات الدولیة فی العقود القادمة.
30 رمضان 1442
رویت 959
سیدمحمدکاظم سجادپور

إن قضیة الصین والولایات المتحدة من أهم القضایا الإستراتیجیة الأساسیة فی العالم المعاصر، ولن یکون مبالغة القول بأنّها من أهم القضایا الإستراتیجیة فی النظام الدولی الحالی. سبب أهمیة هذه العلاقة هو کیفیة تأثیرها على طبیعة العلاقات الدولیة فی العقود القادمة. فی العقود الأخیرة، دائماَ تمّ الإعتراف بالصین على أنها تحد رئیسی، وفی السنوات الأخیرة باعتبارها تحدیًا کبیرًا للولایات المتحدة. الیوم، تتفق جمیع النخب الأمریکیة تقریبًا على قضیة الصین مع الولایات المتحدة، ویعتبرونها قضیة عابرة للفصائل ومتعددة الأطراف وشاملة.

وبالتالی، فإنّ السؤال المرکزی فی هذا المقال هو "کیف یمکن تحلیل طبیعة قضیة الصین بالنسبة تجاه الولایات المتحدة بشکل عام وإدارة بایدن بشکل خاص؟" للإجابة على هذا السؤال، سیتم استکشاف ثلاثة محاور مهمة: "قضیة الصین وطبیعتها بالنسبة للولایات المتحدة"، و " إدارة غیر ناجحة لقضیة الصین مع الأنماط السابقة" و "تفاعل بایدن متعدد الأوجه مع الصین".

 

  1. قضیة الصین

إن قضیة الصین قضیة معقدة ومتعددة الجوانب بالنسبة للولایات المتحدة، وهی بلا شک قضیة استراتیجیة. یجب أولاً النظر إلى الأبعاد المختلفة لمشکلة الصین فی ظهور الصین کقوة عالمیة جادة. کانت الولایات المتحدة، باعتبارها القوة المهیمنة فی العالم، حساسة مثل أی قوة أخرى لظهور أی قوة من المحتمل أن تتحدى هیمنتها. فی الواقع، إن قضیة الصین والولایات المتحدة هی مسألة علاقة القوة المهیمنة بقوة صاعدة ذات قدرة محتملة على الهیمنة فی المستقبل. یشکل هذا المفهوم الدعامة الأساسیة للعلاقات الصینیة الأمریکیة. بالطبع، ضمن هذه العلاقة توجد أیضًا قضایا الإقتصاد السیاسی. فی فترة زمنیة قصیرة نسبیًا، تمکنت الصین من تحقیق وضع اقتصادی عالمی لا یمکن تصوره. فی قلب الإنکماش الإقتصادی الصینی، یکمن صعود التکنولوجیا فی الصین. وهذا یعنی أن الصین لم تکن قادرة فقط على تعزیز وضعها الاقتصادی وعائداتها ومؤشرات الاقتصاد الکلی الأخرى، ولکنها حققت أیضًا تقدمًا تکنولوجیًا ملحوظًا. وفقًا للباحثین فی المعهد الیابانی للعلاقات الدولیة، فقد تعرضت الهیمنة التکنولوجیة الأمریکیة لتحدیات التقدم التکنولوجی الصینی المعاصر.

ربما تکون القضیة المرکزیة للتکنولوجیا فی الإقتصاد السیاسی الصینی، وبالتالی فی الموقع الاستراتیجی للصین، هی أهم قضیة خلافیة بین البلدین. لم تحصل الصین على التقنیات المتقدمة فحسب، بل تمکنت من تحویلها إلى سلع تجاریة رئیسیة، لا سیما فی المجال الجدید، وضمن هذا التطور، أنشأت العدید من سلاسل الترابط مع مختلف البلدان، بما فی ذلک الولایات المتحدة. جعلت ثروة الصین والتقدم التکنولوجی من الممکن للبلاد أن تزدهر فی أبعاد أخرى، وقد أدّت مجموعة متنوعة من المشاریع، أحد أهمها "حزام واحد، طریق واحد"، إلى تصمیم عالمی وهادئ واستراتیجی مذهل.

من حیث علم النفس السیاسی، لا تعتبر الولایات المتحدة صعود الصین أمرًا مقبولًا، والتسامح النفسی للصین غیر مقبول للغایة لیس فقط للنخبة الأمریکیة ولکن أیضًا للثقافة الأمریکیة والناس العادیین، على الأقل من وجهة نظر التفوق المعیاری للولایات المتحدة. بعبارة أخرى، تعتبر الولایات المتحدة نفسها متفوقة من حیث المعاییر والقیم، وتعتبر بشکل معیاری أن إنتاج الثروة یقتصر على إنتاج قیم الدیمقراطیة اللیبرالیة الغربیة، وإذا کانت الدولة لا تؤمن بهذه القیم ویمکن أن تحقق هذا المستوى من التقدم التکنولوجی ، فهو غیر مقبول للولایات المتحدة ، وبالتالی یشکل تحدیًا استراتیجیًا ونفسیًا واقتصادیًا وتکنولوجیًا متعدد الأوجه للولایات المتحدة. بالطبع، من الناحیة النفسیة، کانت الحاجة إلى عدو و "آخر" ووجود شیطان مقابل ملاک أمریکی له نفس الخصائص تمامًا، دائمًا جزءًا من علم النفس الاجتماعی والسیاسی الأمریکی. بعد انهیار الإتحاد السوفیتی، جرت محاولات لملء هذه الفجوة إلى حد کبیر بمخاطر أخرى، لکن بالنظر إلى ما قیل، فإنّ وجود الصین یلبی إلى حد کبیر هذه الحاجة النفسیة للولایات المتحدة.

لکن قضیة الصین هی قضیة متعددة الطبقات، بالنظر إلى تشابک اقتصادها مع الولایات المتحدة . فی هذا الصدد، صاغ فرکسن، الإقتصادی الأمریکی البارز، مصطلح "صی-میریکا " للإشارة إلى العلاقات الإقتصادیة المتشابکة والمترابطة بین الصین والولایات المتحدة، حتى فی الظروف السیاسیة والإقتصادیة الصعبة. مما یجعل قضیة الصین وإدارتها للولایات المتحدة تبرز أکثر من أی وقت مضى. بسبب هذا التشابک، على عکس الإتحاد السوفیتی السابق، یستفید العدید من النخب السیاسیة والإقتصادیة فی أمریکا من النمو الإقتصادی والتکنولوجی للصین، وهذه المصالح المتشابکة تجعل التعامل مع الصین معقدًا وصعبًا على الولایات المتحدة.

 

  1. إدارة غیر ناجحة لقضیة الصین

فی العصور السابقة، کان یُعتقد أن الصین وصعودها یمکن التحکم فیهما، وکانت استراتیجیة أمریکا الکلیة، خاصة فی العقدین أو الثلاثة عقود الماضیة، تتمثل فی دمج الصین فی الإقتصاد العالمی. بافتراض أنّ هذا الإندماج سیغیر فی النهایة طبیعة النظام الصینی، وبالتالی سلوک الصین. فی الواقع، من نافذة الإقتصاد السیاسی المتشابک للصین والولایات المتحدة والإقتصاد العالمی، ستتحول الصین من الداخل وستتم إدارة القضیة الصینیة، وستتحول الصین من عدو إلى صدیق فی معسکر الدیمقراطیة اللیبرالیة. لکن من الناحیة العملیة، کانت الصین ولغزها هو أن اقتصاد الصین کان یتقدم بسرعة، وحتى فی فترة کورونا بکل تحدیاته، کان الإقتصاد وحده ینمو، وفی نفس الوقت لم یتغیر النظام السیاسی فی الصین وأصبح أکثر التزامًا بالمعاییر الصینیة وأکثر مقاومة للأعراف الغربیة، مما یثبت أنه لا یمکن إدارة الصین من خلال مشروع التکامل.

إن لسیاسة التکامل لها تاریخ طویل فی السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة، وهو تقلید استمر فی عهد ترامب، أحیانًا بطریقة عبثیة وأحیانًا شرسة، وفی هذا الصدد یمکن استخدام کلمة التقطیع والفصل. بمعنى، خلق فصل بین الإقتصادین الصینی والأمریکی وتقیید وصول الشرکات الصینیة إلى السوق والفرص الإقتصادیة الأمریکیة وتشدیده من خلال فرض التعریفات واللوائح، مثل القیود المفروضة على دخول الطلاب الصینیین إلى الولایات المتحدة. هذه السیاسات حولت الصین إلى وحش ضخم فی عهد ترامب، حتى وفقًا لستیف بن الاستراتیجی المعروف فی حقبة ترامب، فی بدایة الإنتخابات الرئاسیة الثانیة فی البلاد، نظرًا للتحدیات التی واجهها ترامب، فإن الطریقة الوحیدة لفوزه هی تکثیف الأجواء المناهضة للصین وتحویل البلاد إلى شیطان وهو ما لم یکن ناجحًا بالطبع. لکن فی النهایة، لم تکن سیاسة الفصل سیاسة ناجحة، وتجدر الإشارة بشکل خاص إلى أن الصین، بسبب الظروف الإقتصادیة العالمیة، والوصول العالمی والإعتماد المتبادل مع أجزاء أخرى من العالم، لذلک قد فشلت عملیًا سیاسة الإنفصال والقطع. بقیت الصین، وأثرت باستمرار فی النقاش الإنتخابی بین ترامب وبایدن. دخل بایدن البیت الأبیض واتبع سیاسة تجمع بین التغییر والإستمراریة.

 

  1. بایدن وتفاعل متعدد الأوجه

اعترافا بحقیقة أن سیاسة الفصل لم تکن مثمرة، استندت سیاسة بایدن إلى ثلاث رکائز: أولاَ التعاون، وهذا یعنی أننا یجب أن نتعاون مع الصین فی بعض المجالات، وبدون التعاون مع الصین، لن یکون من الممکن الحفاظ على الهیمنة الأمریکیة على المستوى العالمی ومنع الصین من الظهور کدولة مهیمنة. ومن الأمثلة على ذلک التعاون مع الصین فی المؤتمر الإفتراضی لتغیر المناخ، الذی شارکت فیه الصین. المنافسة فی المرکز الثانی. وفقًا لذلک، تلتزم حکومة بایدن بالدخول فی منافسة شرسة فی مجالات مثل التکنولوجیا والتوحید القیاسی والملکیة الفکریة وما إلى ذلک، وکلها مرتبطة بطریقة ما بالتکنولوجیا وعدم السماح للصین بتجاوز الولایات المتحدة. الإصطدام فی المرحلة الثالثة. مواجهة الصین فی قضایا استراتیجیة مثل تایوان وهونغ کونغ وبحر الصین الجنوبی وقضایا حقوق الإنسان مثل مسلمی الأویغور. ظاهریاً تبدو سیاسة حکومة بایدن أکثر تعقیدًا. بالطبع، من أجل تحقیق سیاسة متعددة الأطراف فی هذه الفترة الزمنیة القصیرة، فقد تبنت عدة استراتیجیات عملیة، واحدة منها، على الرغم من رغبة حلفاء الولایات المتحدة فی منطقة الشرق الأوسط وغرب آسیا، هی نوع من تقلیل الإهتمام بدلاً من  الصراع کالماضی لتکون قادرة على ترکیز طاقتها على الصین. بالإضافة إلى ذلک، فإن الترکیز على المجموعة الرباعیة - وهو تعاون رباعی بین الولایات المتحدة والیابان وأسترالیا والهند - هو محور ترکیز کبیر لإدارة بایدن، وهی ظاهرة ذات طبیعة عسکریة آخذة فی النمو، ویجادل البعض بأن هذا التعاون الرباعی یجب أن یکون لها رکیزتان الأخرى تشمل سنغافورة وکوریا الجنوبیة. قضیة أخرى هی أهمیة الیابان فی مواجهة الصین، والزیارة الأخیرة لرئیس وزراء الیابان کأول زیارة لمسؤول رفیع المستوى للولایات المتحدة فی هذا السیاق یمکن تقییمها وإظهار مکانة الیابان فی سیاسات إدارة قضیة الصین فی واشنطن.

على الرغم من خطط وإجراءات إدارة بایدن، فی الواقع، ستواجه السیاسة الأمریکیة فی إدارة قضیة الصین فی إدارة بایدن أیضًا تحدیًا. لأن الصین لیست طرفًا غیر فاعلة وستتخذ خطواتها الخاصة ضد حرکات بایدن متعددة الأوجه. بالإضافة إلى ذلک، لا یمکن إیقاف مستوى النمو الإقتصادی للصین، وحتى أقرب حلفاء الولایات المتحدة، أثناء مشاهدة القضیة الصینیة، لیس لدیهم مصلحة فی التصادم معها. ومن أبرز هذه الدول أوروبا ، التی لا یوجد لدیها تعاون شامل مع الولایات المتحدة بشأن قضیة الصین. خیارات الصین مهمة أیضًا. إن رؤیة الصین الأوروآسیویة، وتوسیع العلاقات مع روسیا، والترکیز على الشرق الأوسط، وحتى تقدیم خطة للأمن فی الخلیج الفارسی والعدید من الخطط للفضاء المفتوح للصین سوف تتحدى سیاسات حکومة بایدن.

فی النهایة، معنى هذا الصراع وقضیة الصین بالنسبة للولایات المتحدة هو فی مصلحة إیران، الأمر الذی یتطلب بحد ذاته نقاشًا مستقلاً. لکن أولاً، تجدر الإشارة إلى أن هذه المصالح أثرت وستؤثر على إیران، وبالتالی فإن مراقبة وفهم طبیعة هذا الصراع أمر أساسی للغایة بالنسبة لنا، وثانیًا، لا ینبغی اعتبار هذا الصراع مساویًا للصراعات الأیدیولوجیة التی تتمحور حول الحرب الباردة. هناک طبیعة اقتصادیة-تکنولوجیة جدیدة لذلک تختلف اختلافًا جوهریًا عن أفکار ومقترحات الحرب الباردة التی کانت الصین نفسها جزءًا منها. ثالثًا، على أی حال، ستفتح مساحات إستراتیجیة لإیران، والتی یجب استخدام هذا الانفتاح الإستراتیجی، ولکن لإستخدامه بمهارة، یجب الإنتباه إلى تعقیدات المرحلة الجدیدة من العلاقات الدولیة.

 

استنتاج

لذا، أولاً وقبل کل شیء، العلاقات الصینیة الأمریکیة هی علاقة مهمة جدًا وجادة ومتعددة الطبقات، والصین هی أهم قضیة بالنسبة للولایات المتحدة، وهذه القضیة مطروحة منذ فترة طویلة. یکمن فی قلب هذه القضیة، أولاً وقبل کل شیء، اهتمام دولة مهیمنة بظهور دولة أخرى. ثانیًا، فی إدارة قضیة الصین، هناک العدید من التقلبات فی سیاسة الولایات المتحدة، وسیاسة بایدن الآن متعددة الأوجه، وهناک بعض الغموض والتحدیات الخطیرة التی تواجهها. وثالثاً، التنبؤ بأن هذه السیاسة ستنجح أو تفشل مثل السیاسات السابقة هو فی حالة من الغموض وهناک تحدیات خطیرة لها. أخیرًا، هذه التعقیدات والصراعات لیست بالضرورة ذات طبیعة ثنائیة، ویجب علینا ملاحظتها. نتائج هذه التفاعلات متعددة الأوجه لها آثار کبیرة على النظام الدولی والجهات الفاعلة فیه، ولن تکون إیران استثناءً.

          "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است