صفقة القرن وأثرها على العلاقات بین إفریقیا والکیان الصهیونی

انتهت القمة الثالثة والثلاثون للإتحاد الأفریقی فی أدیس أبابا عاصمة إثیوبیا (۱۰ و ۱۱ فبرایر ۱۹۹۸)، مع شعار "اسکات البنادق: تهیئة للظروف المواتیة للتنمیة فی أفریقیا" وبهدف وضع الحد للتوترات الأفریقیة وتحقیق التنمیة فی هذه القارة. وأکدّ قادة الإتحاد فی البیان الصادر فی نهایة القمة على تضامنهم الکامل مع الشعب الفلسطینی فی رفض خطة السلام الأمریکیة وما یسمى بصفقة القرن.
8 ذو القعدة 1441
رویت 2698
محمد نیکخواه

انتهت القمة الثالثة والثلاثون للإتحاد الأفریقی فی أدیس أبابا عاصمة إثیوبیا (10 و 11 فبرایر 1998)، مع شعار "اسکات البنادق: تهیئة للظروف المواتیة للتنمیة فی أفریقیا" وبهدف وضع الحد للتوترات الأفریقیة وتحقیق التنمیة فی هذه القارة. وأکدّ قادة الإتحاد فی البیان الصادر فی نهایة القمة على تضامنهم الکامل مع الشعب الفلسطینی فی رفض خطة السلام الأمریکیة وما یسمى بصفقة القرن.

وشدد جزء من هذا البیان على أن جمیع المستوطنات الصهیونیة فی الضفة الغربیة والقدس الشرقیة ومرتفعات الجولان السوریة المحتلة غیر شرعیة.

أیضاَ صرّح رئیس مفوضیة الإتحاد الإفریقی فی حفل الإفتتاح أن "صفقة القرن" غیر مقبولة وهی تعد انتهاکًا لحقوق الفلسطینیین دون حضورهم ، وأضاف أن الخطة الأمریکیة تنتهک جمیع قرارات الأمم المتحدة وقرارات الإتحاد الأفریقی بشأن هذه القضیة. کما حذّر الإتحاد الأفریقی من تصاعد التوتر بین الفلسطینیین والإسرائیلیین.

على الرغم من أن الدفاع عن فلسطین فی الإتحاد الأفریقی وحتى سلفه، منظمة الوحدة الأفریقیة، کان شیئًا من العقود الماضیة، ولکن هذه المرة مع تنمر ترامب واعلانه ودعمه لهذه الخطة الممهد لها  مسبقاَ فی أفریقیا من قبل إسرائیل، ومع تحرکات نتنیاهو الجدیدة للسفر إلى العدید من البلدان الأفریقیة والتی بدأت فی عام 2017  واستمرت حتى وقت قریب أدّت إلى الإعلان الرسمی عن صفقة القرن، لم نکن نتوقع أن الإتحاد الأفریقی سیصمد أمام ضغوط الولایات المتحدة والنظام الصهیونی بهذا التصمیم والإجماع.

منذ البدایة کانت العلاقات بین إسرائیل وأفریقیا متقلبة بین الشک والتقارب. وعلى الرغم من أن الصهاینة حتى قبل تشکیل کیانهم فی الأراضی المحتلة کانت لدیهم نظرة خاصة إلى أفریقیا وکانوا یخططون لإقامة أول مستوطنة یهودیة فی العالم بعیداَ عن الأراضی المحتلّة، فی أوغندا أو کینیا. وکانت هناک خطط أخرى لنقل یهود الیمن والاتحاد السوفیتی (السابق) إلى جمهوریة الکونغو الدیمقراطیة (زائیر سابقًا) أو السودان. مع ذلک کانوا منذ إنشاء إسرائیل فی أراضی فلسطین یعتبرون دائما التسلل إلى أفریقیا بمثابة عمق إستراتیجی وحزام أمنی لمحاصرة العرب وفرصة جیدة لتطویر هیمنتهم الإقلیمیة والدولیة وأحد الأولویات الجادة فی سیاستهم الخارجیة. منذ الأیام الأولى للإعلان عن وجود النظام الصهیونی حتى الآن، استمروا فی محاولة التسلل إلى أفریقیا من خلال استغلال فقر وضعف الحکومات الأفریقیة والصراعات الداخلیة فی القارة.

فی هذه الأثناء کانت القضیة الفلسطینیة، دائما حاجز رئیسی بین الکیان الصهیونی وأفریقیا ولم یتمکن الصهاینة عبوره، على الرغم من جهودهم خلال عقود، ورغم الدعم الکامل من الولایات المتحدة لهم. لأنه بالإضافة إلى الروح المعادیة للاستعمار واللیبرالیة التی تحکم دول أفریقیا واحترام القضیة الفلسطینیة للحکومات والشعب الأفریقی خاصة مسلمی هذه القارة ،کما واجهت دائماَ أعمال النظام الصهیونی الإجرامیة غیر القانونیة فی الأراضی المحتلة والإنتهاکات المتکررة للقوانین والمعاییر الدولیة مقاومة ساحقة من البلدان الأفریقیة وقد أدانته الدول والمؤسسات الأفریقیة مرارا وتکرارا. بالإضافة إلى ذلک، کان أغلبیة الرأی العام فی الدول الأفریقیة یشک فی سلوک إسرائیل المخادع معهم وهذه القضیة جعلت جهود تل أبیب العدیدة فی القارة السوداء تبوء بالفشل.

مع وصول ترامب إلى السلطة فی الولایات المتحدة ودعمه الثابت لإسرائیل بالتزامن مع همسات صفقة القرن استغل الکیان الصهیونی الظروف السائدة فی الشرق الأوسط وانعدام الأمن فی شمال وغرب إفریقیا للبدأ بمحاولة جدیدة للنفوذ والتأثیر على الدول والمنظمات الأفریقیة وفی هذا الصدد قام نتنیاهو بخطوة جدیدة فی أفریقیا من خلال السفر إلى أوغندا وإثیوبیا وکینیا (وحتى تشاد بعد انقطاع علاقاتهم بمدة 45 عامًا) کذلک تمکنوا من إنشاء موطئ قدم للتدخل الإسرائیلی فی صراعات القرن الأفریقی والبحر الأحمر والنیل بمساعدة الولایات المتحدة والمملکة العربیة السعودیة والإمارات العربیة المتحدة.

حتى استطاع  نتنیاهو من المشارکة فی قمة المجموعة الاقتصادیة لدول غرب إفریقیا لأول مرة فی 2018 والتشاور والتفاوض المباشر مع قادة دول غرب أفریقیا. بالنظر إلى التقارب المتزاید بین البلدان الأفریقیة. کان یعرف نتنیاهو جیداً أن کل جهود حکومته للتأثیر وجذب أصوات الدول الأفریقیة فیما یتعلق بصفقة القرن یجب أن یوافق علیها الإتحاد الأفریقی وهکذا فی الجولة الجدیدة من الأنشطة حاول أن یجعل إسرائیل عضو مراقب فی الإتحاد الأفریقی بل وذهب خطوة أبعد واقترح أن تترأس إسرائیل القمة الأفریقیة فی توغو للمرة الأولى لکن الخطة باءت بالفشل وذلک بسبب ذکاء الإتحاد الأفریقی وتغییر مکان عقد القمة.

وکان آخر أملهم هو رئاسة مصر للاتحاد الأفریقی، والتی تم تسلیمها إلى جنوب أفریقیا وعملیاَ تم إغلاق الطریق أمام المزید من النفوذ الإسرائیلی. حتى انتقد قادة الإتحاد الأفریقی لقاء نتنیاهو مع رئیس المجلس الانتقالی السودانی الذی تم بحجة مساعدة إسرائیل على رفع العقوبات عن السودان وبإدراج قضیة رفع العقوبات الدولیة عن السودان على جدول أعمال القمة الثالثة والثلاثین، أخذوا بالفعل هذا البطاقة من ید نتنیاهو.

وهذه المرة أیضًا کان نتنیاهو وترامب ینویان الکشف عن مشروع "صفقة القرن" المثیرة للجدل لإنقاذ أنفسهم من العواقب الوخیمة للهزائم الداخلیة والإقلیمیة وتعزیز هیمنة تل أبیب على الأراضی المحتلة ولفت انتباه دول العالم الأضعف التی تقع بشکل رئیسی فی القارة الأفریقیة إلى الکیان الصهیونی فواجهوا مرة أخرى إدانة وبطاقة حمراء من الإتحاد الأفریقی الذی یمثل 54 دولة مما یدل على وحدة وقوة الدول والمؤسسات الأفریقیة فی مواجهة الضغوط الخارجیة. ویظهر ذلک أن على الرغم من خیانة بعض الشخصیات الفلسطینیة وقادة الدول العربیة والصمت ومرونة وتعاونهم العلنی والسری مع الولایات المتحدة والصهاینة على مر السنین، القضیة الفلسطینیة لا تزال حیة فی نظر العدید من الحکومات والدول وفی ظل الصمود والمقاومة وصفقة القرن لیست سهلة التحقیق کما یصورها ترامب ونتنیاهو.

"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است