الآن وبعد "سیاسة الجوار" القضیة الأهم التی تجعل من منطقة القوقاز أولویة فی أجندة  السیاسة الخارجیة الإیرانیة، هی قضیة کاراباخ وخطر الحرب الأرمنیة الأذربیجانیة المحتملة، والتی تم تسلیط الضوء علیها مرة أخرى فی یولیو 2020 مع اندلاع الصراع فی منطقة تاووز.

بعد انهیار الإتّحاد السوفیتی، وعلى الرغم من تشکیل ثلاث دول مستقلة هی جمهوریة أذربیجان وأرمینیا وجورجیا فی جنوب القوقاز، تستمر المنطقة فی لعب دور موحد فی أمن ومصالح جیرانها، إیران وترکیا وروسیا، وفی السیاسة الدولیة. وهکذا، ینظر إلى القوقاز فی نفس الوقت على ثلاثة مستویات متمیزة فی السیاسة الخارجیة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة.

1. العلاقات الثنائیة: فی هذا الإطار وانطلاقاً من سیاسة الجوار، بذلت إیران جهوداً لتوسیع العلاقات مع دول جنوب القوقاز الثلاث. من بین البلدین، جمهوریة أذربیجان وأرمینیا، اللتین تتمتعان بمیزة الحدود المشترکة مع إیران، العلاقة مع جمهوریة أذربیجان، کدولة شیعیة، بحدودها البریة والبحریة الطویلة، ذات أهمیة کبیرة، ولا تفرض إیران أی قیود على توسیع علاقاتها مع جارتها الشمالیة.
2. العلاقات الإقلیمیة: تتأثر علاقات إیران مع دول القوقاز الثلاث بالتطورات المهمة والمنافسة الإقلیمیة. یرتبط نطاق هذه المنافسة بتأثیرها على أمن ومصالح الدول المجاورة أکثر من ارتباطها ببلدان القوقاز. الدین والعرق والأزمات الإقلیمیة مثل کاراباخ وأوسیتیا وأبخازیا والشیشان، فضلاَ عن النظام القانونی لبحر قزوین والتجارة وناقلات الطاقة وطرق نقل النفط والغاز وشبکات النقل والعبور ونقل الطاقة وخطوط الاتصالات، هذه المجالات، على الرغم من أهمیتها فی العلاقات الثنائیة، لکن تتأثر بالمستوى الإقلیمی للتطورات فی القوقاز.
3. السیاسة الدولیة: القوقاز هو الجسر بین آسیا وأوروبا. هذه المنطقة هی مفترق طرق بین الدول الإسلامیة والمسیحیة ومن منظور ثقافی حضاری، فهی تشکل حدود مجالین مختلفین للثقافة الإنسانیة. تتأثر السیاسة الخارجیة لجمهوریة إیران الإسلامیة فی القوقاز أیضًا بهذه المیزة. لقد زادت المقاربات الثلاثة للإسلامویة والأطلسیة والأوراسیة والائتلافات التی یتم تشکیلها فی هذا الإطار من أهمیة هذا المستوى بالنسبة لإیران.

فی حین أن جمهوریة أذربیجان وحدها هی الدولة الأکثر قوة اقتصادیًا وعسکریًا فی القوقاز وتتمتع بالدعم العسکری من القوات المسلحة للبلدان الصدیقة، فإنها لا ترى حلاً عسکریًا لمشکلة کاراباخ. وتواجه أرمینیا، التی تحظى بدعم عسکری روسی، وجهات نظر متضاربة بشأن حل الصراع. فی هذا البلد، تحاول المجموعة الحفاظ على الوضع الراهن، بینما تفکر المجموعة الأخرى فی الإستقرار والعودة إلى ظروف المعیشة الطبیعیة. یعرف أطراف نزاع کاراباخ أن الطرف الذی بدأ الحرب لن ینهیها. یتسبب تشابک جغرافیة القوقاز فی أضرار لا یمکن إصلاحها للأطراف المعنیة والمنطقة فی فترة زمنیة قصیرة. ومن الواضح أن المواجهة بین القوات الأمنیة والعسکریة على طول خطوط التماس على جبهة کاراباخ یؤدی إلى توتر بحد ذاتها منذ فترة طویلة. یمکن للخطأ البشری أو الإنتهازیة أن یشعلوا نیران الحرب. ولکن ما هو الحل؟

هناک سیناریوهان عامّان لحل مشکلة کاراباخ. أولاً: حل المشکلة من قبل طرفی النزاع دون تدخل أطراف ثالثة. هذه الطریقة مدعومة من قبل الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة. فی السنوات الـ 28 الماضیة، تم النظر فی حلول مختلفة من قبل جمهوریة أذربیجان وأرمینیا وتوصل الجانبان فی بعض الأحیان إلى حلول مقبولة والتی تم التّخلی عنها بسبب تدخل الجماعات المتطرفة. یمکن اعتبار خطة منح أعلى مستوى من الحکم الذاتی لکاراباخ فی شکل اتحاد أو الکونفدرالیة لجمهوریة أذربیجان على هذا النحو. بدا هذا الحل قابلاً للتحقیق فی عهد حیدر علییف لیفون تیر-بیتروسیان، لکنه فشل بسبب حدث فی أرمینیا. من الواضح أن قادة البلدین الأذربیجانیین والأرمینیین على درایة کاملة بآراء بعضهما البعض. هذه الآراء، على أساس مبادئ تحریر الأراضی المحتلة لجمهوریة أذربیجان وتحدید الوضع القانونی لکاراباخ، یمکن متابعتها وتحویلها إلى إتّفاقیات مفاجئة وتاریخیة فی القوقاز.

ثانیًا، أن یستخدم طرفا النزاع قدرات الجهات الفاعلة الإقلیمیة والدولیة لتحقیق أهدافهما من خلال تشکیل تحالفات محتملة. هذه طریقة تم اتباعها على مدار الـ 25 عامًا الماضیة. إن کیفیة تشکیل هذه الائتلافات واضحة. وفقا لمثل فارسی، القطة لا تأخذ فأرا فی سبیل الله. تعتبر منطقة القوقاز منطقة صغیرة ولیس لدیها القدرة على تصفیة حسابات کبیرة. المسافة بین الخطوط الأمامیة قریبة من عاصمتی البلدین ومنشآتها الهامة. فی کلا البلدین، تسعى جماعات المعارضة بشغف إلى استخدام قضیة کاراباخ کأداة "للتغییر". کما یمکن أن یؤید بائعو السلاح زعزعة التوازن والتحریض على الحرب فی المنطقة. فی هذه الحالة، ستتحول حرب کاراباخ بسرعة إلى حرب بالوکالة، وستشارک العناصر التی یجب أن تمنع انتشار الکارثة الکبرى فی القوقاز فی استمرار مثل هذه الحرب. نتیجة لذلک، من المحتمل أن تحدث کارثة إنسانیة واقتصادیة أخرى فی المنطقة. التجربة المریرة للحرب المحدودة بین روسیا وجورجیا فی عام 2008 تنتظرنا. یبدو أن السبب الرئیسی لإندلاع تلک الحرب یجب أن یعتبر التدخل الأمریکی الاستفزازی فی القوقاز. وکانت نتیجة هذه الحرب انتهاک وحدة أراضی جورجیا، وأزمة العلاقات بین الجانبین المهمین فی القوقاز، وتعقید مسألة الإستقرار والأمن فی المنطقة.

یجب على إیران أن تستمر فی تحیید الإستفزازات المستهدفة لإدخالها فی معادلة الحرب فی القوقاز بیقظة. فی منطقة حیث یصطف فیها جیشان مسلحان بالکامل ضد بعضهما البعض، فهذه مسؤولیة مهمة فی المصلحة الجماعیة. إیران، کدولة لدیها القدرة على التأثیر بشکل مباشر على طرفی النزاع وهی تستفید من سلام القوقاز أکثر من الحرب، یجب أن تتابع هذه المسؤولیة بنشاط. یجب على الفاعلین الذین یؤججون نیران الحرب تحمل مسؤولیة العواقب الوخیمة. توسطت جمهوریة إیران الإسلامیة بطریقة مفعمة بالأمل فی حضور یعقوب محمدوف و تیر-بیتروسیان. بعد ذلک، عندما تقدمت القوات الأرمنیة فی أراضی جمهوریة أذربیجان، بناءً على طلب حیدر علییف، بهدف زیادة القدرة الرادعة لجمهوریة أذربیجان، بدأت فی تقدیم الدعم الکامل لهذا البلد. بعد ذلک، مع طرح قضیة نفط بحر قزوین فی عام 1994، تم تفعیل آلیة الرؤساء المشترکین لمجموعة مینسک، واتخذت جمهوریة أذربیجان وأرمینیا طریقًا مختلفًا لحل القضیة، أو بعبارة أخرى تجمیدها.

فی ذلک الوقت، وبناءً على طلب باکو، أعرب رئیس برلمان جمهوریة أذربیجان، رسول جولییف، فی ذلک الوقت، عن امتنانه کتابیًا لخدمات المستشارین الإیرانیین وطالب بإنهاء مهمتهم. ومنذ ذلک الحین، أکدت إیران دائمًا، مع الحفاظ على مواقفها المبدئیة، على ضرورة مفاوضات مباشرة لحل نزاع کاراباخ وأعلنت عن استعدادها للمساعدة فی عملیة السلام والإستقرار. إن ضرورة احترام وحدة الأراضی هی المحور الرئیسی لمواقف إیران فی موضوع نزاع کاراباخ. تعتبر الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة أن تدخّل عوامل خارج المنطقة یشکل تهدیداَ للسلام الإقلیمی ویعقّد عملیة التسویة ویطیل أمدها. فی المقابل، یمکن للتعاون الإقلیمی أن یوفر منصة جیدة لمساعدة أطراف النزاع فی حل النزاعات سلمیاً. حالیاَ، المبادرة الثلاثیة بین إیران وترکیا وجمهوریة أذربیجان والمبادرة الثلاثیة بین إیران وأذربیجان وروسیا نشطة ویمکن أن تخدم الأهداف المذکورة أعلاه. فی هذا الصدد، یبدو أن العلاقات المتنامیة بین الدول الثلاث إیران وترکیا وروسیا هی قدرة أخرى على إحلال السلام والإستقرار فی القوقاز.

"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"