مسیرة الأربعین، الروحانیة والسیاسة الخارجیة

ستکون مسیرة الأربعین الدولیة لهذا العام فی ۷ أکتوبر ۲۰۲۰ مختلفة بشکل استثنائی عن السنوات السابقة بسبب تفشی مرض کورونا. مع ذلک،
17 صفر 1442
رویت 1519
علیرضا بیکدلی

ستکون مسیرة الأربعین الدولیة لهذا العام فی 7 أکتوبر 2020 مختلفة بشکل استثنائی عن السنوات السابقة بسبب تفشی مرض کورونا. مع ذلک، فإنّ عددًا کبیرًا من المسلمین یأملون بإقامة مسیرة أکثر تألقًا فی السنوات القادمة، سیحاولون هذا العام إحیاؤها عن بُعد وبطرق تتوافق مع البروتوکولات الصحیة، بما فی ذلک بشکل رمزی، من خلال وسائل التواصل الإجتماعی سیحیون هذا الحدث الشعبی العظیم المبنی على الثقافة الشیعیة.

الأربعین کلمة عربیة وفی الثقافة الإسلامیة تطلق على الیوم العشرین من شهر صفر (الشهر الثانی من العام الهجری)، الیوم الأربعین بعد استشهاد الإمام الحسین(ع) وأصحابه فی الیوم العاشر سنة 61 هـ فی کربلاء وهی من أهم الشعائر الشیعیة فی العالم عقب مراسم العزاء فی شهر المحرم. الإمام الحسین(ع)، حفید نبی الإسلام(ص) وابن الإمام علی(ع) والسیدة فاطمة(س)، الإمام الثالث للشیعة، وهو من أهم رموز الإسلام. إستشهد الإمام الحسین فی کربلاء مع 72 فرداً من عائلته وأصحابه، لوقوفه فی وجه استبداد الحاکم محاولاً
التمسک بأحکام الإسلام. یقیم الشیعة مراسم حداد کل عام فی العقد الأول من شهر محرم ثم فی الیوم الأربعین لاستشهاده احتفاءً بثقافة الحریة والعدالة لهذا الإمام. وهذا الحفل له دور مهم جداً فی حفظ وتعزیز ثقافة المقاومة ونضال الشیعة من أجل الحریة والعدالة.

لطالما احتفل الشعب العراقی بطقوس الأربعین بطریقته الخاصة وهم یمشون من المدن والقرى البعیدة والقریبة لإحیاء ذکرى الأربعین، بعضها على بعد 500 کم، لزیارة موقع حادثة عاشوراء ومرقد الإمام الحسین(ع) وأخیه حضرة عباس(ع) وأصحابهم الشهداء. سبب اختیار المسیرة السلمیة لإحیاء ذکرى استشهاد الإمام الحسین(ع) مرتبط بالوضع السیاسی فی المنطقة وبعض الروایات عن حیاة الرسول(ص) والأئمة(ع) أثناء الحج وممارسة بعض العلماء فی رحلتهم إلى کربلاء. عارض نظام صدام حسین المسیرة بقیود شدیدة خلال فترة حکمه. فی عام 1975 قتل النظام عدداً کبیراً من العراقیین وهم فی طریقهم الى کربلاء سیراً على الاقدام من مدینة النجف الأشرف. وبعد سقوط صدام عام 2003 ، سُمح لأول مرة للمسلمین من دول أخرى بحضور المراسم. بمشارکة مواطنین من العراق وإیران والکویت وباکستان وأفغانستان وجمهوریة أذربیجان ولبنان وترکیا والبحرین والیمن وعشرات الدول الأخرى، أقیمت الأربعین کحدث روحی عالمی مجید لدرجة أنّه کان یعتبر أکبر تجمع للمسلمین ومن أکبر التجمعات الدینیة فی العالم. على سبیل المثال، خلال أسبوع الأربعین عام 2019، حضر کربلاء أکثر من 20 ملیون زائر عراقی وحوالی 5 ملایین من دول أخرى، بما فی ذلک 3.3 ملیون إیرانی.

نشأ الحماس للمشارکة فی تجمع الأربعین العظیم فی إطار الثقافة الحسینیة. وتدل شعارات ما یقرب من ثلاثین ملیون مشارک فی هذا الحفل على التوجه الروحی لهذا الحدث الهام والتوجه الرئیسی لحرکة الزوار فی مراسم الأربعین. الشیء المهم فی هذا الحدث الثقافی المهم هو أنه یحظى بشعبیة. یتم استقبال عشرات الملایین من الزوار على مختلف الطرق المؤدیة الى کربلاء ومنها التغذیة وتوفیر مکان للراحة والنوم وتوفیر الإحتیاجات الصحیة من خلال نذورات الناس وبواسطتهم. وبحسب الإحصائیات المسجّلة فی قسم الشعائر ومواکب العتبة الحسینیة والعباسیة، فإنّ عدد المواکب والوفود التی خدمت الزوار داخل مدینة کربلاء عام 2019 کان أکثر من 10 آلاف. وکان معظمهم من العراقیین وبعضهم من غیر العراقیین. ولا یستبعد المسؤولون العراقیون احتمال أن یتجاوز العدد الإجمالی للمواکب فی العراق مائة ألف.إن تعاون الحکومة العراقیة مع الدول التی یشارک مواطنوها فی هذا الحفل یمهد الطریق لتفعیل السیاسة الخارجیة للعراق وتطویر تعاونها، خاصة مع دول الجوار، والتی بالإضافة إلى إرسال الزوار، توفر طریق مرور الزوار من الدول الأخرى الى کربلاء. ویتم التعاون السیاسی فی الأربعین فی إطار الأنشطة الحکومیة من أجل حل الأبعاد السیاسیة والقنصلیة لتسهیل سفر زوار الأربعین. ویشمل هذا التعاون سلسلة من الإجراءات من قبل المسؤولین السیاسیین الإیرانیین والعراقیین فی شکل رحلات وإجتماعات ومکالمات هاتفیة ومراسلات رسمیة. فی عام 2016، أنشأ البلدان لجنة دائمة ومشترکة تسمى "لجنة التنسیق السیاسی والقنصلی" لوضع السیاسات والتخطیط لذکرى الأربعین. ونتیجة لنشاطات هذه اللجنة، فی عام 2019، أصبح إصدار التأشیرات للمواطنین فی کلا البلدین مجانیًا. وفی وقت لاحق، فی نفس العام، وافق البلدان على إلغاء التأشیرات. أیضا، بسبب سفر ملایین الزوار، بدأ فی فترة زمنیة قصیرة تطویر البنیة التحتیة للنقل والإتصالات وحرکة المرور فی المناطق الحدودیة. یمکن القول أنّه تحت تأثیر "مراسم الأربعین"، زادت العلاقات الشعبیة العراقیة مع العدید من البلدان، بما فی ذلک الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، بسرعة. طورت إیران بشکل کبیر البنیة التحتیة للنقل والإتصالات والصحة وإنشاء عدادات مراقبة الجوازات على حدودها مع العراق من أجل تسهیل سفر زوارها والمساعدة فی مرور الزوار من دول أخرى فی المنطقة إلى العراق عبر إیران. تعتبر مسیرة الأربعین نموذجًا مهمًا لسیاسة الجوار فی منطقة غرب آسیا وتوضح وجود إمکانات کبیرة للتعاون السیاسی والإقتصادی والأمنی على أساس الروحانیة والثقافة المشترکة والعلاقات الشعبیة. تظهر مسیرة الأربعین فعالیة سیاسة الجوار بین إیران والعراق ودول أخرى فی المنطقة.

مع الإعلان عن وجود تنظیم داعش الإرهابی وتهدید أماکن الزیارة والتجمعات الدینیة فی العراق، منذ عام 2013، أصبحت مسألة سلامة الزوار أحد الشواغل الرئیسیة فیما یتعلق بمسیرة الأربعین. ولهذا الغرض، تم التنسیق بین مسؤولی الأمن فی العراق والجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة من أجل ضمان نسبی للوضع الأمنی لطرق الزوار وأماکن إقامتهم. بالإضافة إلى ذلک، کان أمن أماکن الزیارة المقدسة، بما فی ذلک العتبات المقدسة، موضوعًا للنقاش والتعاون، بسبب مکانتها وبسبب الوجود الکبیر للزوار فی تلک الأماکن. على الرغم من التهدیدات الواسعة النطاق، تمّ الإبلاغ عن عدد صغیر من العملیات الإرهابیة فی السنوات الخمس الماضیة.

إن دول منطقة غرب آسیا، فی ضوء تاریخ طویل من التعایش، لدیها العدید من القواسم الدینیة والثقافیة المشترکة، والتی لدیها القدرة على تعزیز التقارب بین دول المنطقة. تعتبر مسیرة أربعین الإمام الحسین(ع) واحدة من أعظم الفرص وأهمها فی الوقت نفسه التی کوّنت دول المنطقة علاقات عمیقة مع بعضها البعض نتیجة روحانیتها وتشهد السیاسة الخارجیة للدول مستوى جدیدًا من العلاقات.

"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است