النهج العدائی الأمریکی فی أوروبا الشرقیة ورد روسیا

مع اقتراب موعد الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة، یمارس ترامب نهج عدائی شامل فی جمیع أنحاء العالم. نتیجة ذلک، شهدنا تطبیع عدة دول عربیة مع النظام الصهیونی، وإجراء محادثات سلام
22 صفر 1442
رویت 646
علی‏ بمان اقبالی زارتش

 مع اقتراب موعد الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة، یمارس ترامب نهج عدائی شامل فی جمیع أنحاء العالم. نتیجة ذلک، شهدنا تطبیع عدة دول عربیة مع النظام الصهیونی، وإجراء محادثات سلام کوسوفو وصربیا فی واشنطن، مما أدى إلى عقد إتفاق معقّد وغامض بین قادة بلغراد وبریشتینا. کان من نتائج الإتفاق الأخیر غیر المألوف ضمن إهانة ترامب لقادة الجانبین أنه وعدهم بنقل السفارة الصربیة إلى القدس وإقامة علاقات بین کوسوفو وتل أبیب، وهو ما انتقده أیضًا قادة أوروبیون وعرب. فی ذات التوقیت، صرحت موسکو أن أی إتفاق فی غرب البلقان یجب أن یتم تحت إشرافها، وأن یتم التصویت علیه من قبل مجلس الأمن الدولی. والسؤال المهم ما هو مصیر هذا الإتفاق وهل یتم تنفیذه؟

إن تفسیرات الخبراء المتعددة التی یستخدمونها لشرح العلاقة بین القوى على جانبی المحیط الأطلسی، هی التعاون والشراکة الإستراتیجیة والمنافسة وتضارب المصالح بین الولایات المتحدة والإتحاد الأوروبی. بدأت الولایات المتحدة إستراتیجیتها للتعاون مع الدول الأخرى على المستوى الدولی فی إطار اللوائح والهیاکل، منذ بدایة الألفیة الثالثة. وفی تلک الإستراتیجیة، کانت الأولویة عند واشنطن هی العمل بشکل وثیق مع روسیا والصین والتوصل إلى اتفاق مع جمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بشأن برنامج نووی سلمی. ولکن بعد فوز دونالد ترامب فی الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة، کان یرى أن الإستراتیجیة التی تمّ تبنیها، خاصة خلال فترة ولایة السید أوباما والتی استمرت ثمانی سنوات، لم تعالج بشکل کاف مصالح الولایات المتحدة، وأنه یجب إجراء تغییرات أساسیة. فی الواقع، یعتقد ترامب أن جمیع آلیات التفاعل الدولی، إلى جانب سلوک الدول والقوى الأخرى، بما فی ذلک المنظمات الدولیة، یجب أن تکون فی إتجاه تأمین المصالح الأمریکیة ذات الأولویة، وإذا لم یکن هذا المکوّن والآلیة فی التفاعلات الدولیة وعلاقات البیت الأبیض مع الدول الأخرى فی مصلحة الولایات المتحدة، فیجب تغییر العملیة المتعلقة بها.

سؤال آخر، فی نهایة العقد الثانی من القرن الحادی والعشرین، ماذا سیکون مسار العلاقات الأوروبیة مع الولایات المتحدة وروسیا؟ فی الوقت ذاته، هل سیؤدی هذا الإتجاه إلى مزید من الاختلاف فی أوروبا؟  ولکن قبل أن ندخل فی موضوع التفاعلات بین جانبی المحیط الأطلسی، من الجید إلقاء نظرة على استراتیجیة الأمن القومی الأمریکیة الجدیدة والتی تم الإعلان عنها فی عام 2018. فی هذه الإستراتیجیة، تم ذکر روسیا والصین ثم إیران وکوریا الشمالیة فیما یتعلق بقضایا مثل الإرهاب وما إلى ذلک على أنها التحدیات الرئیسیة لواشنطن فی السنوات القادمة. بالطبع  تمّ أیضا ًذکر قضایا أخرى مثل الأمن السیبرانی هنا. فی ما یتعلق بأوروبا الشرقیة، تتمثل الإستراتیجیة الرئیسیة للولایات المتحدة فی ثلاثة أضلاع، وهی: إنشاء المزید من القواعد من خلال نقل القوات من غرب القارة الخضراء إلى هذه المنطقة، وبیع المزید من الأسلحة إلى هذه الدول، وأخیراً مواجهة شاملة مع توسع النفوذ الروسی، خاصة فی غرب البلقان، إلى جانب تعزیز العلاقات مع بلغراد. لدى أوروبا والولایات المتحدة تفاعلات سیاسیة وأمنیة وإقتصادیة واسعة النطاق. بلغ حجم التجارة بین أوروبا والولایات المتحدة فی عام 2019 أکثر من 900 ملیار یورو. یواجه البیت الأبیض حالیًا العدید من القضایا الرئیسیة فی تنظیم علاقاته مع أوروبا. من جهة هناک المملکة المتحدة، التی سعت دائمًا إلى الحفاظ على التوازن بین الولایات المتحدة وأوروبا، وإلى الحفاظ على علاقات وتفاعلات إقتصادیة ودفاعیة وثیقة للغایة مع الولایات المتحدة. وفی الجانب الآخر، هناک الإتحاد الأوروبی، الذی عمل بشکل وثیق مع الولایات المتحدة فی قضایا الأمن والدفاع فی إطار حلف شمال الأطلسی. الأمر الذی أصبح تحدیًا خطیرًا فی التفاعلات بین الجانبین منذ أن تولى ترامب منصبه. وصرّح ترامب مرارًا وتکرارًا أنّ بلاده لم تعد مستعدة لإنفاق الکثیر على الأمن الأوروبی کما فعلت من قبل، وأنّه یتوجب على الأوروبیین دفع المزید مقابل أمنهم فی شکل حصة المشارکة فی الناتو والشؤون الدفاعیة الأخرى.النقطة المهمة هی أنه داخل الإتحاد الأوروبی نفسه، هناک دول تسعى، لأسباب متنوعة، إلى توثیق العلاقات مع واشنطن؛ خاصة دول جنوب شرق أوروبا مثل رومانیا وبولندا وبلغاریا ودول البلطیق. نظرًاً لأن هذه الدول تشعر بتهدید خطیر من الشرق، فإنّها تحاول إقامة تعاون دفاعی أوثق مع الولایات المتحدة. بشکل عام، یرکز التعاون بین بروکسل وواشنطن على قضایا مثل الناتو وأوکرانیا والإرهاب والحرب الإلکترونیة والبرنامج النووی الإیرانی وحقوق الإنسان. ولکن فی المستقبل سوف نشهد صراعات سیاسیة أکثر خطورة فی العلاقات بین أوروبا والبیت الأبیض وحلف شمال الأطلسی، مما قد یؤدی إلى تصعید التوترات بین موسکو وواشنطن؛ کما فی عام 2014، ونتیجة للأزمة الأوکرانیة وتصاعد التوترات بین روسیا وحلف شمال الأطلسی فی سوریا، دخلت أوروبا بشکل مباشر فی تحد جدید بین واشنطن وموسکو.لطالما کانت مسألة نقل الطاقة الروسیة إلى أوروبا محط ترکیز البیت الأبیض. فی ظل مثل هذه الظروف، من الطبیعی أن تؤکد أوروبا على مسألة الحفاظ على إستقلالها النسبی للعمل وعدم تقییدها بأیدی الأمریکیین، ومع ذلک ستتابع استمرار التعاون مع واشنطن کأولویاتها، وتخفیف موقف ترامب تجاه أوروبا من خلال التشاور الوثیق مع الهیاکل الحاکمة الأمریکیة والکونغرس. من ناحیة أخرى، سیستمر ضغط ترامب على أوروبا للترکیز على الأمن والدفاع لاستخدامهما کأداة فی التحدیات الدولیة، بما فی ذلک زیادة العقوبات الجائرة ضد الشعب الإیرانی.یجب القول فیما یتعلق بروسیا أن تعاون الولایات المتحدة مع أوروبا مرّ بمراحل مختلفة منذ انهیار الإتحاد السوفیتی. تتمثل الإستراتیجیة الرئیسیة لموسکو فی معارضة التوسع المستمر لحلف شمال الأطلسی إلى الشرق ، فضلاً عن احتکار إمدادات الطاقة الأوروبیة وإحیاء النفوذ التقلیدی فی أوروبا الشرقیة وتوسیع النفوذ فی غرب البلقان، لا سیما من خلال التعاون الوثیق مع بلغراد. فی ما یخص کوسوفو، تتمثل الإستراتیجیة الکبرى لروسیا فی التوصل إلى أی حل بموافقة مجلس الأمن الدولی وعدم تغییر الحدود وبالتالی عدم الاعتراف بکوسوفو. بشکل عام، تشعر کل من أوروبا والولایات المتحدة بالقلق من تنامی نفوذ روسیا فی القارة الخضراء، خاصة فی الجزء الشرقی منها، وهذا أمر أقر به السید بومبیو خلال زیارته لبلدان هذه المنطقة فی أواخر أغسطس 2020. وقال فی وارسو، بعد ثلاثة عقود من انهیار الشیوعیة، نشعر بالقلق إزاء النفوذ المتزاید لروسیا فی المنطقة، ویجب على دول المنطقة أن تدرک هذا التهدید الخطیر. من ناحیة أخرى، هناک خلاف خطیر بین دول الإتحاد الأوروبی حول القضایا المهمة، بما فی ذلک الهیکل السیاسی والإقتصادی للإتحاد الأوروبی والهجرة والأمن، وهذا یشیر إلى تباعد أکبر بین دول الإتحاد الأوروبی. الکلمة الأخیرة، وفیما یتعلق بإمکانیة تنفیذ إتّفاق واشنطن بین قادة صربیا وکوسوفو، یجب القول أنّه ربما یکون أفضل توقع هو تکرار مصیر أکثر من 30 وثیقة موقّعة بین الجانبین منذ عام 2012 بوساطة الإتحاد الأوروبی والتی لم یتم تنفیذها؛ لأن المفتاح الرئیسی لتطبیع التفاعلات الثنائیة بین الجانبین هو اعتراف صربیا بکوسوفو. على الرغم من أنّ قادة بلغراد یسعون إلى التصالح مع بریشتینا مع أهداف اقتصادیة مهمّة ولکی لا یتخلّفوا عن نمو وتطور جیرانهم، بما فی ذلک المجر، فمن غیر المرجّح أن یتّخذوا هذه الخطوة الخطیرة على المدى القصیر.

"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است