الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة وأمریکا اللّاتینیة

کل تغییر سیاسی فی الولایات المتحدة له آثاره الإیجابیة أو السلبیة على أمریکا اللّاتینیة. تعتبر الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة فی ۳ نوفمبر ۲۰۲۰ مهمّة لعدة أسباب.
9 ربيع الأول 1442
رویت 826
محمدتقی حسینی

 کل تغییر سیاسی فی الولایات المتحدة له آثاره الإیجابیة أو السلبیة على أمریکا اللّاتینیة. تعتبر الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة فی 3 نوفمبر 2020 مهمّة لعدة أسباب. کان لوجود دونالد ترامب لمدة أربع سنوات فی البیت الأبیض عواقب بعیدة المدى على أمریکا اللاتینیة، ومن الواضح الآن أن إعادة انتخابه أو هزیمته هی حدث رئیسی للمنطقة. عطّل دونالد ترامب العدید من آلیات الحکم فی المنطقة، کما تحدّى التعددیة العالمیة، قام أیضًا بتعطیل الإقلیمیة تمامًا فی أمریکا اللاتینیة. أدّى شعار "أمریکا أولاً" إلى إعادة تعریف کافة الآلیات فی المنطقة. کان الإنسحاب من ترتیبات ما یسمى بالشراکة عبر المحیط الهادئ ( TPP ) الخطوة الأولى التی اتخذها ترامب فی أیامه الأولى فی البیت الأبیض. کما أغضب ترامب إتفاقیة نافتا، التی کانت آلیة مهمّة ونموذجیة فی تعزیز الإقلیمیة، وتمّ تغییرها بالکامل. کانت کلتا الآلیتین نتاج نظام لیبرالی، وشکّلت أسسهما الفکریة من خلال نظریات التجارة الحرة. بالإضافة إلى ذلک، کان کلاهما رمزًا لتفوق وجهات النظر الغربیة التی تقودها أمریکا فی معرکة شرسة مع المناهج المتنافسة، بما فی ذلک عالم الشیوعیة. لم تکن معارضة دونالد ترامب لهذه الآلیات لأنّه اتّبع نموذجًا نظریًا مدروسًا، بل لأنّ المعاهدات تمّت صیاغتها من قبل رؤساء الولایات المتحدة السابقین - ولم یکن لدونالد ترامب نظرة إیجابیة عنهم. کان یکفی للتعبیر عن کراهیته لهم وضعهم جانبًا. کانت السیاسات البدیلة التی اتّبعها ترامب قائمة على الحمائیة فی الإقتصاد، والتی أضرّت بالعدید من مبادئ التجارة الحرّة. کانت هذه السیاسات بمثابة ترجمة لشعار "أمریکا أولاً" الذی اختلف عن العدید من الشعارات الأمریکیة الشائعة. عانت دول المنطقة معاناة کبیرة فی تنفیذ هذه السیاسات.

لا یقتصر التأثیر السلبی لسیاسات دونالد ترامب فی المنطقة على هذه الأمور. أصبحت السیاسات غیر المتوقعة والتدخلیة فی منطقة أمریکا اللاتینیة الآن أکثر إثارة للإنقسام من أی وقت مضى. الإنقسامات الشدیدة وانعدام الثقة فی الإستقرار داخل قارّة أمریکا اللاتینیة هما من السّمات الممیزة للوضع الحالی فی القارة. تمّ إلغاء الإتفاقات السابقة مع کوبا. أدّى تدخل الولایات المتحدة فی الأزمة الفنزویلیة ومحاولة إدارة ترامب للإطاحة بنیکولاس مادورو بأی وسیلة ممکنة إلى تصعید التوترات. للضغط على حکومة مادورو، تمّ انتهاک حتى أبسط مبادئ السیادة. إنّ الإعتراف بخوان غوایدو کالرئیس الذی نصّب نفسه وتقویته للإطاحة بمادورو یتعارض مع أی من مبادئ الدیمقراطیة وحریة الإختیار وسیادة الدول. على الرغم من أن أیاً من هذه السیاسات لم ینجح حتى الآن فی الإطاحة بحکومة مادورو، إلا أن الضرر الذی تسببت به قد أصاب قارة أمریکا اللاتینیة بأکملها. وعلیه، فإن منظمة الدول الأمریکیة متورطة أیضًا فی هذا التناقض، واتّسعت الفجوة بین الأعضاء بشکل حاد. تضررّت مصداقیة هذه المنظمة، ولا سیما أمینها العام، بشدة بسبب الإجراءات المتّخذة استجابة لطلب الولایات المتحدة فی فنزویلا وبولیفیا. هذه خسارة کبیرة لمنظمة حاولت أن تظهر وجها محایدا فی حل النزاعات فی المنطقة.

قضیة أخرى أصبحت فی وضع حرج نتیجة لسیاسات ترامب وهی الهجرة. کشف ترامب عن سیاساته المعادیة للمهاجرین منذ الحملة الإنتخابیة لعام 2016. منذ البدایة، أصرّ على بناء جدار على الحدود الأمریکیة المکسیکیة على حساب البلاد. لم تکتف مسألة الجدار بتوتر العلاقات مع المکسیک فحسب، بل أصبحت أیضًا قضیة حرجة داخل الولایات المتحدة، مما أدّى إلى أطول إغلاق حکومی فی الولایات المتحدة. إتّخذت سیاسات ترامب المناهضة للهجرة وجهاً جدیداً کل یوم، مما أدّى إلى کارثة فی حالات مثل سیاسة "عدم التسامح مطلقاً"، حیث انفصل آلاف الأطفال المهاجرین عن آبائهم واحتُجزوا فی أقفاص فی أسوأ الظروف المعیشیة. لإظهار تصمیمه فی سیاسة مناهضة الهجرة، إنسحب ترامب حتى من میثاق الهجرة العالمی، الذی شارکت المکسیک وسویسرا فی صیاغته.

هذا جزء صغیر جدًا مما واجهته أمریکا اللاتینیة خلال فترة رئاسة دونالد ترامب التی استمرت أربع سنوات. إنّ سکان هذه القارة قلقین الآن بشأن ما إذا کانت هذه السیاسات ستستمر على مدى السنوات الأربع القادمة أم لا. من الطبیعی أنّه مع إعادة انتخاب دونالد ترامب، لا یتوقع تغییر فی هذا الصدد، وربما قد یتم تشدید بعض هذه السیاسات. الإعتقاد السائد بین النخبة فی قارة أمریکا اللاتینیة هو أن انتخاب جو بایدن قد یؤدی إلى إعادة النظر فی بعض هذه السیاسات ویوفّر فرصة أخرى لتعزیز الاستقرار فی القارة.

یدرک ترامب جیدًا أنّ اللاتینیین یلعبون دورًا رئیسیًا فی الإنتخابات الأمریکیة. یمکن للعدد الکبیر من السکان اللاتینیین، الذین معظمهم مستاء الآن من سیاسات دونالد ترامب، أن یؤثّر على الإنتخابات القادمة ویجعل من الصعب علیه الفوز. لهذا السبب بدأ دونالد ترامب العمل منذ وقت طویل على منع ذلک. تمّ تصمیم وتنفیذ زیارة الرئیس المکسیکی أندریس مانویل لوبیس أوبرادور إلى الولایات المتحدة لهذا الغرض بالضبط. قام أوبرادور، الذی لم یسافر إلى الخارج خلال فترة رئاسته ولم یحضر حتى قمة مجموعة العشرین والجمعیة العامة للأمم المتحدة، برحلته الخارجیة الوحیدة إلى الولایات المتحدة حتى الآن فی ذروة أزمة کورونا. کان من الواضح أنّه کان لصالح دونالد ترامب للمساعدة فی الإنتخابات وزیادة الأصوات اللاتینیة.

لطالما اعتبرت أمریکا اللاتینیة خصوصیة أمریکا. ومع ذلک، فقد حدثت العدید من التغییرات فی هذا المجال الیوم. صحیح أنّه لا یمکن استخدام هذا المفهوم کما کان فی القرن العشرین، لکن أمریکا اللاتینیة لا تزال المنطقة الأکثر حیویة لأمریکا. ویبقى أن نرى ما إذا کانت القارة ستشهد سیاسات الولایات المتحدة الأحادیة وزعزعة الإستقرار لمدة أربع سنوات أخرى، أم أنّها ستتخذ نهجًا مختلفًا. یأمل الکثیر فی التغییر ما لم یجعل الوضع فی القارة أکثر صعوبة مما هو علیه؛ على وجه الخصوص، بدأت آثار أزمة کورونا على اقتصاد هذه الدول تتضح تدریجیاً.

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است