تأثیر الإنتخابات الأمریکیة على العلاقات الأوروبیة مع الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة

نتائج الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة وسیاسات الحزب الفائز فی الإنتخابات تؤثر على التطورات الداخلیة والعلاقات السیاسیة والدولیة والتعاون الأمریکی مع الدول والمناطق الجغرافیة المختلفة والمنظمات الدولیة.
27 ربيع الثاني 1442
رویت 1099
جواد کچوئیان

 نتائج الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة وسیاسات الحزب الفائز فی الإنتخابات تؤثر على التطورات الداخلیة والعلاقات السیاسیة والدولیة والتعاون الأمریکی مع الدول والمناطق الجغرافیة المختلفة والمنظمات الدولیة.  نظراَ لإعتماد أوروبا على الولایات المتحدة، خاصة فیما یتعلق بالدفاع والأمن، وعلاقاتها الإقتصادیة القویة، فإنّ علاقة الولایات المتحدة بأوروبا، وبالتالی علاقة أوروبا بالدول الأخرى، کانت دائمًا تتأثر بالتطورات الداخلیة الأمریکیة.  نظراً للتجارب السابقة، وخاصة فی السنوات الأربعة لرئاسة ترامب، ما دامت أوروبا تعتبر أمنها ودفاعها معتمدین على الولایات المتحدة وتلتزم بالسیاسات الأمریکیة القمعیة أو تظل صامتة عنها، لا یمکن للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة الدخول فی تفاعل وحوار بشکل فعال مع أوروبا.

الدستور والهیکل السیاسی للولایات المتحدة والنهج المختلفة للأحزاب الجمهوریة والدیمقراطیة فی القضایا السیاسیة والإقلیمیة والدولیة الهامة، والإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة، وأی من الحزبین الرئیسیین یفوز فی الانتخابات، یؤثر فی التطورات الداخلیة والعلاقات السیاسیة والدولیة للولایات المتحدة والتعاون مع الدول والمناطق الجغرافیة والمنظمات الدولیة..

وفی هذا الصدد، ونظراً للإعتماد الأوروبی على الولایات المتحدة، لا سیما فی مجال الدفاع والأمن، فضلاً عن العلاقات الإقتصادیة القویة بینهما، حیث تبلغ التجارة فی السلع والخدمات 1.3 تریلیون دولار سنویًا وحجم الإستثمار 6 تریلیونات دولار بین الطرفین، کیفیة العلاقات الأمریکیة مع أوروبا، وبالتالی علاقات أوروبا مع الدول الأخرى، أوروبا تتأثر دائمًا بالتطورات الداخلیة الأمریکیة. على سبیل المثال، خلال فترة رئاسة ترامب التی دامت أربع سنوات، تراجع موقف الاتحاد الأوروبی ککتلة تدعی السلطة، وأصبحت أوروبا تدرک بشکل متزاید عدم قدرتها على اتخاذ أی إجراء إقلیمی أو دولی دون تدخل الولایات المتحدة.

على الرغم من أن أوروبا تتماشى إلى حد کبیر مع نهج الدیمقراطیین فی القضایا السیاسیة والدولیة، ولکن بسبب اعتماد أوروبا على الولایات المتحدة المذکورة أعلاه، کان علیه التنسیق مع الجمهوریین فی عهد ترامب فی تنظیم علاقاته مع بقیة العالم.

تعکس تجارب السنوات الأربعین الماضیة من العلاقات والتعاون بین أوروبا وجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة حقیقة أن علاقات أوروبا مع الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة قد تأثرت أیضًا بالإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة وحزبها المنتصر، أی بکیفیة العلاقات الولایات المتحدة مع أوروبا.

مقارنة سلوک أوروبا وأدائها تجاه الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی ظل الدیمقراطیین والرئیس باراک أوباما وأثناء رئاستی الجمهوریین وترامب تعد مثالاً واضحًا على التزام أوروبا بالسیاسات الأمریکیة تجاه جمهوریة الإسلامیة الإیرانیة. فی عهد أوباما، تصرفت أوروبا بالتنسیق مع نهج الولایات المتحدة تجاه إیران خلال عهد ترامب أیضًا على الرغم من أن سیاساته تعرضت أحیانًا لانتقادات من قبل بعض الدول الأوروبیة، إلا أن أوروبا، تحت ضغط من الولایات المتحدة، تصرفت فی نهایة المطاف بناءً على نهج ترامب تجاه إیران. وفی هذا الصدد، بسبب سیاسة الضغط الأقصى والعقوبات غیر الشرعیة الأحادیة والعابرة للحدود، فإنّ حجم العلاقات التجاریة الأوروبیة خلال رئاسة ترامب مع الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بشکل عام کانت فی تراجع، ووفقًا لآخر الإحصاءات الصادرة عن مرکز الإحصاء الأوروبی (یوروستات)، بلغ إجمالی التجارة الأوروبیة مع جمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی الأشهر الثمانیة الأولى من عام 2020 بانخفاض قدره 12.84 فی المائة مقارنة بنفس الفترة من عام 2019 ، 2 ملیار و 940 ملیون یورو.

فی حین أن یمکن للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، کقوة إقلیمیة ذات تأثیر عالمی، والإتحاد الأوروبی، الذی یمتلک 20٪ من الناتج المحلی الإجمالی العالمی، ککتلة إقتصادیة قویة وفاعل فی الساحة الدولیة، اتخاذ خطوات أساسیة نحو التعاون السیاسی والاقتصادی والأمنی والدفاعی طویل الأجل والمنفعة المتبادلة من خلال بناء الثقة المتبادلة وإقامة العلاقات الاقتصادیة والتجاریة وإبرام الاتفاقیات السیاسیة والأمنیة.

طالما أن أوروبا تعتبر أن أمنها ودفاعها یعتمدان على الولایات المتحدة الأمریکیة ، والتزمت الصمت الکبیر فی مواجهة السیاسة الأمریکیة الأحادیة فی مختلف المجالات السیاسیة والاقتصادیة وعلى الساحة الدولیة وتتعاون أحیانًا معها، خاصة فی فرض عقوبات غیر قانونیة أحادیة الجانب وقمعیة وغیر إنسانیة؛ لا یمکن للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة الدخول فی تفاعل وحوار فعالین مع أوروبا.

 

والآن، مع فوز الحزب الدیمقراطی والسید بایدن، هل یتغیر موقف أوروبا تجاه إیران أیضًا؟

لم یکن ترامب ینظر إلى أوروبا على أنّها حلیفة بل منافسة جادة لمصالح أمریکا العالمیة. وهکذا سعى فی مناسبات مختلفة إلى إضعافها وإذلالها وإظهار عجزها فی مختلف القضایا والقضایا السیاسیة والاقتصادیة على الساحتین الإقلیمیة والدولیة. تبحث أوروبا الآن عن فرصة فوز بایدن لتنشیط دورها ولعب دورها ککتلة قویة فی القضایا الإقلیمیة والدولیة الهامة. کانت التحرکات والمواقف الأخیرة للإتحاد الأوروبی ومجموعة الدول الثلاث (ألمانیا وفرنسا وبریطانیا) فی الإجتماع الأخیر للوکالة الدولیة للطاقة الذریة فی فیینا تجاه الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی هذا الإتجاه. على الرغم من ترحیب أوروبا بعودة الولایات المتحدة إلى الوکالة الدولیة للطاقة الذریة (لعبت أوروبا دورًا تنسیقیًا ولیس حاسمًا فی الإتفاق النووی)، إلا أنها اتخذت موقفًا أکثر صرامة بشأن القضایا الخلافیة الأخرى مع إیران.

خلال الوضع الراهن، أوروبا تسعى، وخاصة الدول الثلاث، بریطانیا وفرنسا وألمانیا، إلى عدم الترویج لبرنامج نووی سلمی فی إیران ومنع برنامج الصواریخ وتقلیص نفوذ إیران فی المنطقة.

لطالما استخدمت أوروبا فی متابعة مصالحها وتنظیم علاقاتها مع مختلف دول العالم، القوة السیاسة، مثل حقوق الإنسان والدیمقراطیة والحریات الأساسیة والإرهاب وعدم انتشار الأسلحة غیر التقلیدیة والانتخابات الحرة وما إلى ذلک، حسب مقتضى الحال. تعلمت جمهوریة الإسلامیة الإیرانیة من تجربة علاقاتها مع أوروبا، لا سیما فی الحوار النقدی والشامل ومفاوضات التجارة والتعاون (TCA) وخطة العمل الشاملة المشترکة، أن اللغة الوحیدة التی تفهمها أوروبا هی نفس اللغة التی یتحدث بها الآخرین وهی لغة القوة، وأی تلیین أو تقصیر فی مواجهة المطالب غیر المشروعة للغرب وأوروبا یجعلها أکثر جرأة ووقاحة فی تحقیق رغباتهم.

هذا لا یعنی عدم إجراء حوار مع أوروبا. لکن أی حوار ومفاوضات مع أوروبا یجب أن یکون مخططًا وهادفًا وذکیًا ومن موقع کرامة واستقلال وضمن مصالح جمهوریة إیران الإسلامیة ومع معرفة دقیقة بقدرات وإمکانیات أوروبا.

جواد کتشوئیان، خبیر أول فی شؤون دول شمال أوروبا

  "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است