فوز بایدن وأوروبا الشرقیة ( إضعاف الإختلاف والشعبویة)

بشکل عام، ولأسباب مختلفة، إنتصار بایدن والتغییرات فی البیت الأبیض، بما فی ذلک شعار الإهتمام بالقیم الدیمقراطیة، والترکیز أکثر على العلاقات بین واشنطن وموسکو، وعلى وجه الخصوص إعطاء الأولویة لتوسیع العلاقات مع غرب القارة الخضراء، لن یتم الترحیب به فی وسط وشرق أوروبا وسیؤدی لإضعاف الشعبویة.
14 جمادى الثانية 1442
رویت 683
علی‏ بمان اقبالی زارتش

بشکل عام، ولأسباب مختلفة، إنتصار بایدن والتغییرات فی البیت الأبیض، بما فی ذلک شعار الإهتمام بالقیم الدیمقراطیة، والترکیز أکثر على العلاقات بین واشنطن وموسکو، وعلى وجه الخصوص إعطاء الأولویة لتوسیع العلاقات مع غرب القارة الخضراء، لن یتم الترحیب به فی وسط وشرق أوروبا وسیؤدی لإضعاف الشعبویة.

فوز جو بایدن جلب نوعًا من راحة البال إلى عواصم أوروبا الغربیة. لأنّ رئاسة ترامب أضرّت بالعلاقات على جانبی المحیط الأطلسی، وینتظر العدید من القادة الأوروبیین إصلاح علاقاتهم مع الولایات المتحدة بعد دخول الرئیس الجدید البیت الأبیض. بعد فوز بایدن فی الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة، إنتشر عدد کبیر من رسائل التهنئة من القادة الأوروبیین عبر المحیط الأطلسی. من أهم هذه الرسائل، وصفت أنجیلا میرکل الصداقة عبر الأطلسی بأنّها "حتمیة وحیویة للتغلب على تحدیات الیوم". وأکدّ إیمانویل ماکرون أنّ الوقت قد حان لکی تعمل أوروبا والولایات المتحدة معًا؛ لأنّ "لدیهم الکثیر من العمل للقیام به." کما تحدث مسؤول السیاسة الخارجیة الأوروبیة جوزیف بوریل عن "یوم رائع للولایات المتحدة وأوروبا" والحاجة إلى إعادة بناء الشراکة. تمّ إرسال العدید من الرسائل علنًا أو عبر الهاتف مباشرة إلى فریق بایدن. بینما تتطلع أوروبا الغربیة إلى السنوات الأربع القادمة، نواجه ردود فعل مختلفة فی الشرق من القارة الخضراء. إلى جانب دول مثل المجر وبولندا وسلوفینیا التی احتضن قادتها ترامب، أثار فوز بایدن المزید من الأسئلة لعواصم أوروبا الوسطى والشرقیة (CEE). والسبب بسیط جداً وواضح. الحقیقة هی أنّ إدارة ترامب کثّفت تعاونها مع أوروبا الوسطى والشرقیة، على الرغم من المواقف والسلوکیات المواجهة لأوروبا، وخاصة الإتحاد الأوروبی.

مع انتخاب بایدن، یشعر البعض فی وسط وشرق أوروبا بالقلق من عودة سیاسات باراک أوباما. سبب هذا القلق هو أنّ الحکومات الإقلیمیة حذّرت إدارة أوباما ذات مرة من أنّ روسیا لا تزال تشکل تهدیدًا، لکن واشنطن ضحّت بالمصالح الإقلیمیة من أجل التعاون مع موسکو. فی یونیو 2009، بعث زعماء مثل فاتسلاف هافیل و لیخ فالیسا برسالة مشترکة إلى أوباما شرح فیها مخاطر إقامة علاقات مع موسکو. لکن مثل هذه الإجراءات کانت عقیمة، وبعد بضعة أشهر، تخلّى أوباما عن خطط لبناء درع دفاع صاروخی فی وسط أوروبا، مما أدّى إلى نکسة کبیرة فی العلاقات الثنائیة. عندما تولّت إدارة ترامب السلطة فی عام 2017، أعادت الترکیز على وسط وشرق أوروبا. ووفقًا له، فإن هذه المنطقة هی إحدى المناطق التی تتحدى فیها موسکو وبکین النظام العالمی الذی تقوده الولایات المتحدة. بالطبع، کان تعیین فایس مایکل مساعدًا لوزیر الخارجیة للشؤون الأوروبیة والأوروبیة الآسیویة فی وزارة الخارجیة فی عام 2017 وآرائه حول الحاجة إلى إعطاء الأولویة للعلاقات مع أوروبا الوسطى والشرقیة مؤثرة أیضًا.

فی عهد ترامب، تمّ تعزیز التعاون النشط بین الولایات المتحدة وأوروبا الشرقیة فی مجالات الدبلوماسیة والأمن والاتصالات الرقمیة والإقتصاد. قدّمت واشنطن أیضًا دعمًا کبیرًا لخطة البحار الثلاثة (3SI)، التی تهدف إلى تعزیز الإتصالات عبر الحدود للطاقة والنقل والبنیة التحتیة الرقمیة بین الدول الإثنی عشر المحاصرة فی البحر الأدریاتیکی وبحر البلطیق والبحر الأسود. بدلاً من اعتبار المشروع قضیة أوروبیة داخلیة، سعى ترامب إلى منافسة الصین وروسیا. الحقیقة هی أنّ شرکاء بایدن الرئیسیین فی أوروبا سیکونون برلین وبروکسل وباریس. لکن هذا لا یعنی أنّ العواصم الشرقیة تتابع بقلق وصول بایدن. بالطبع، رغم بعض التفاؤل، لیس من السهل العودة إلى الوضع السابق. لأنّه داخل الإتحاد الأوروبی، کما یقول رئیس لجنة الشؤون الخارجیة، لن تسیر الأمور وفق رغبات بعض القادة الأوروبیین، مثل الرئیس الفرنسی أو المستشارة الألمانیة. لذلک، یجب على أوروبا أن تغیّر نفسها، خاصّة فی مجال الدفاع والإکتفاء الذاتی الإقتصادی، وتقلیل اعتمادها على الولایات المتحدة. وبنهج متفائل، من الضروری لأوروبا أن تسعى إلى الإستقلال الإستراتیجی. فی هذا الوقت، لا یؤمن العدید من السیاسیین بأنّ أوروبا تنأى بنفسها عن الولایات المتحدة ویعتقدون أنّ أوهام الإستقلال الإستراتیجی لأوروبا یجب أن تنتهی، لأنّ الأوروبیین لن یکونوا قادرین على استبدال الدور الحیوی للولایات المتحدة فی توفیر الأمن، على الأقل فی المدى القصیر والمتوسط. بشکل عام، ستکون هناک بعض التغییرات المحددة مقارنة بعهد ترامب. فی هذا الصدد على الأقل، أوروبا واثقة من أنّ جو بایدن لن یتخذ قرارات مفاجئة، ومن المؤکّد أنّها ستبلغ حلفاءها وتتشاور معهم بشأن أی قرار دولی مهم. الفرق الرئیسی الآخر هو أن نائب الرئیس السابق، بجذوره الأیرلندیة والفرنسیة، یفهم أوروبا بشکل أفضل بکثیر ولدیه خبرة کبیرة فی السیاسة الدولیة، وهو یعرف الآن معظم القادة الأوروبیین فی عهد أوباما.

ستکون الطاقة، وخاصة الطاقة النوویة، محور اهتمام الولایات المتحدة فی السنوات المقبلة حیث تحاول بکین وموسکو استخدام المنطقة لزیادة نفوذهما فی أوروبا الوسطى. فی السنوات الأخیرة، قدّمت الصین وروسیا والولایات المتحدة مقترحات لبناء مفاعلات نوویة جدیدة فی المنطقة. فی عام 2014، قرّرت الحکومة المجریة أن توسع شرکة حکومیة Rosatom، محطة باکس للطاقة النوویة (Paks Nuclear Plant) بمفاعلین جدیدین بدون مناقصة عامة. والمفاوضات جاریة فی جمهوریة التشیک للسماح للشرکات الروسیة والصینیة ببناء مفاعلات جدیدة فی محطة دوکوفانی للطاقة النوویة (Nuclear power plant Dukovany). من المتوقع أن یکون عرض روسیا منافسًا تقنیًا ومالیًا. یبدو أن بولندا اختارت بالفعل الولایات المتحدة لتصبح شریکها الرئیسی فی بناء ستة إلى تسعة مفاعلات نوویة. کما تقترب واشنطن من إتمام اتفاقیة تعاون فی مجال الطاقة النوویة مع رومانیا والعدید من الدول الأخرى، على الرغم من أنّ هذه الإتفاقیات غالبا ما تکون غیر ملزمة.

بطریقة ما أثارت التغییرات فی البیت الأبیض مخاوف جیران روسیا، وخاصة جمهوریات البلطیق ورومانیا. فی غرب البلقان وأزمة کوزو، ستکون جهود ترامب المفروضة على بلغراد وبریشتینا غیر فعالة أیضًا. کذلک سیؤکّد بایدن على القیم المشترکة للیبرالیة والمجتمع المدنی، مثل الدیمقراطیة وحقوق الإنسان وسیادة القانون، فی التعامل مع المزید من الشرکاء، على عکس نهج ترامب العملی والواقعی. لذلک، قد یتم انتقاد بعض الدول، وخاصة المجر وبولندا، من قبل الإدارة الأمریکیة الجدیدة لاتخاذها خطوات تتعارض مع مبادئ الدیمقراطیة اللیبرالیة. دعت جماعات المعارضة فی بولندا بایدن إلى اتّباع نهج أکثر تصالحیة وحثّ حکومة وارسو على تقدیم المزید من التنازلات للمعارضة الداخلیة فی البلاد. قد تکون المجر علامة استفهام أکبر، خاصّة إذا استمرّت بودابست فی العمل ضد مصالح واشنطن فی بعض مجالات السیاسة الخارجیة، مثل أوکرانیا وترکیا، دون تواصل بناء. بشکل عام، مع انتخاب بایدن، ستضعف المواقف الشعبویة فی أوروبا الوسطى والشرقیة وسیؤدی وصول الدیمقراطیین إلى السلطة إلى إحیاء حقبة جدیدة من المساءلة والمسؤولیة.

علی بمان اقبالی زارتش، خبیر أول فی دراسات أوروبا

      "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است