خوف وأمل فی محادثات السلام اللیبیة الشاملة فی محطة جنیف

انهارت حکومة قذافی قبل ۱۰ سنوات بتدخل عسکری أمیرکی مباشر، ومنذ ذلک الحین فقدت لیبیا استقرارها، وتم تبادل أراضیها ومواردها بشکل متکرر بین مختلف الجماعات والحکومتین الشرقیة والغربیة، وأصبحت مکانًا للمنافسات الدمویة بین القوى الإقلیمیة وعبر الإقلیمیة.
24 جمادى الثانية 1442
رویت 1285
محمد نیکخواه

 انهارت حکومة قذافی قبل 10 سنوات بتدخل عسکری أمیرکی مباشر، ومنذ ذلک الحین فقدت لیبیا استقرارها، وتم تبادل أراضیها ومواردها بشکل متکرر بین مختلف الجماعات والحکومتین الشرقیة والغربیة، وأصبحت مکانًا للمنافسات الدمویة بین القوى الإقلیمیة وعبر الإقلیمیة. منذ العام الماضی، ومع التدخل العسکری الترکی الواسع لدعم حکومة الوحدة الوطنیة فی غرب لیبیا وهزیمة قوات حفتر، وتوقف الحلول العسکریة وتغییر نهج الجهات الفاعلة المحلیة والإقلیمیة وعبر الإقلیمیة إلى المصالح المعتدلة، فإن الأمم المتحدة والممثل الخاص للشؤون اللیبیة من خلال مبادرة المحادثات اللیبیة اللیبیة الشاملة، تمکنا من تحقیق آلیة معقدة لتحقیق الاستقرار فی لیبیا، وأخیراً قاما هذا الأسبوع بدعوة الأطراف إلى جنیف لانتخاب مجلس رئاسة انتقالی. بعثت المحادثات الحالیة الآمال فی إنهاء الأزمة اللیبیة، ویبدو أن المشهد اللیبی یشهد تغیرات عمیقة. ومع ذلک، فإن السلوک المستقبلی للجهات الفاعلة المحلیة والأجنبیة سیحدد ما إذا کانت هذه التطورات ستؤدی فی النهایة إلى عودة السلام والاستقرار إلى لیبیا أو، على العکس من ذلک، إلى ظهور متشددین جدد وزیادة تصعید الأزمة فی البلاد.

منذ العام الماضی، وبعد التدخل الجاد لترکیا وهزیمة قوات الخلیفة حفتر، ووصول الطرفین إلى الخطوط الحمراء لبعضهما البعض والتحذیر من التدخل العسکری المصری المباشر، توصلت القوى المتورطة فی الأزمة والجهات الفاعلة المحلیة إلى استنتاج مفاده أنه لا یوجد حل عسکری للأزمة وهکذا، وضعوا تعدیل مصالحهم على جدول الأعمال. تبادل الجانبان الرسائل، وتوصلا فی النهایة إلى وقف إطلاق النار، مما مهد الطریق لحوار شامل برعایة الأمم المتحدة بشأن مستقبل لیبیا. بدأت المحادثات فی أکتوبر الماضی تحت رعایة الأمم المتحدة لإیجاد آلیة لإرساء السلام والاستقرار النسبی خلال الفترة الانتقالیة، وفی نهایة المطاف، السلام الدائم فی لیبیا. بعد ذلک، تمت مناقشة الموضوع فی اجتماع مجلس الأمن بشأن التطورات فی لیبیا فی 2 سبتمبر 2020. فی هذا الاجتماع، توصلت معظم الدول التی تلعب دورًا فاعلًا فی تأجیج الصراع فی لیبیا، إلى توافق على عدم وجود حل عسکری للأزمة فی هذا البلد. ویجب مراعاة الحظر على الأسلحة ویجب على القوات الأجنبیة والقوات شبه العسکریة مغادرة البلاد.

بعد هذا الإجتماع، توصّلت أخیرًا ستیفانی ویلیامز، الممثلة المؤقتة للأمم المتحدة فی لیبیا، إلى اتفاق مبدئی حول آلیة معقدة لاختیار السلطة التنفیذیة المؤقتة من خلال تشکیل لجنة استشاریة مکونة من 18 عضوًا. ستکون السلطة التنفیذیة مسؤولة عن إجراء الإنتخابات العامة فی لیبیا، والمقرر إجراؤها فی 24 دیسمبر من هذا العام.  عقب هذه الإنجازات، ستیفانی دعت إلى جنیف یوم الثلاثاء 2 فبرایر، 75 عضوا لیبیاً من الفصائل السیاسیة والشخصیات الإقلیمیة والقبلیة لانتخاب ثلاثة مناصب، رئیس وعضوین فی المجلس الرئاسی ورئیس الوزراء، بالتوافق أو بالترشیح. وفی مفاوضات صعبة، انتخب أخیرًا المجلس التنفیذی المؤقت اللیبی یوم الجمعة

وفی الجولة الأخیرة من التصویت على الحکومة اللیبیة المؤقتة فی جنیف، تمّ تعیین "عبد الحمید محمد الدبیبة رجل الأعمال اللیبی البارز رئیساً لوزراء الحکومة الإنتقالیة اللیبیة، ومحمد یونس المنفی" رئیساً للمجلس الرئاسی. وتم تعیین موسى الکونی وعبدالله حسین اللافی عضوین فی الحکومة الانتقالیة. یجب أن تلتزم هذه الحکومة المؤقتة بإنفاذ وقف إطلاق النار وطرد المرتزقة من البلاد والإلتزام بخارطة الطریق وإجراء الإنتخابات فی الوقت المناسب وتحقیق العدالة الإجتماعیة، وفی نفس الوقت یجب أن مواجهة  الظروف الإقتصادیة الصعبة فی هذا البلد والإستعداد لإنتخابات الحکومة التی ستجرى فی 24 دیسمبر 2021.

بالتزامن مع جهود السیدة ستیفانی، وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فی 15 ینایر على تعیین "یان کوبیتش"، الدبلوماسی السلوفاکی المخضرم، کممثل خاص للأمین العام للأمم المتحدة فی لیبیا (بعد عام تقریبًا من استقالة الممثل السابق). بالإضافة إلى ذلک، وتحت ضغط من الأمریکیین، تم تحدید منصب آخر على أنه الممثل الخاص للأمم المتحدة فی لیبیا، والذی یختلف عن الأمین العام من حیث الوصف الوظیفی. ومن المحتمل أن یکون هذا المنصب الجدید قد تم إعداده لستیفانی ویلیامز، الممثلة الخاصة للأمم المتحدة فی لیبیا (القائمة بالأعمال السابقة للولایات المتحدة فی لیبیا) لتعزیز دور الولایات المتحدة والأمم المتحدة.

حتى الآن ، وبرغم أن جمیع القوى الإقلیمیة وفوق الإقلیمیة المتورطة فی الأزمة ، بما فی ذلک ترکیا ومصر والولایات المتحدة وروسیا والدول الأوروبیة مثل فرنسا وإیطالیا وجیران لیبیا والفصیلین الرئیسیین شرق وغرب لیبیا ، دعمت مبادرة الأمم المتحدة. کانت السیدة ستیفانی داعمة إلى حد ما ، وکل هذا أثار احتمال عودة السلام والاستقرار فی لیبیا بعد عشر سنوات من الصراع ، ولکن بالنظر إلى تجربة الإخفاقات السابقة فی إحلال السلام فی لیبیا. لیبیا ، لا تزال هناک مخاوف من أن تترک هذه الجهات الفاعلة المحلیة أو الأجنبیة تتراجع إلى مواقفها السیاسیة السابقة ، وسیضیع التفاؤل المکتسب مرة أخرى.

وقد شوهدت حتى الآن الأدلة التی تثیر القلق فی الغالب من قبل الفاعلین المحلیین فی شرق وغرب لیبیا. على مدى السنوات الخمس الماضیة، صعدت شبکة من السیاسیین ورجال الأعمال والقادة المتشددین إلى السلطة فی الدولة الغنیة بالنفط، ولکل منها علاقة قوة معقدة ونفوذ ودعم قوى أجنبیة. والآن، بسبب مخاوف بشأن مستقبلهم فی معادلة القوى، فقد لا یتعاونون مع المجلس التنفیذی المؤقت للتأثیر على الانتخابات الرئیسیة، أو قد یمارسون ضغوطاً على المجلس من أنفسهم أو من داعمیهم الأجانب.

ظهرت فی غرب لیبیا أولى بوادر هذه المشکلة فی الأشهر الأخیرة مع إعلان استقالة رئیس الوزراء سراج. فی أوائل سبتمبر 2020، ألغى رحلته إلى أوروبا وأبلغ مضیفیه أنه یعتزم الاستقالة، لکنه لم یحدد موقف معظم أعضاء حکومته. تعهد رئیس الوزراء اللیبی بالإستقالة. دعت الولایات المتحدة، إلى جانب العدید من الدول الأخرى، سراج إلى الاستمرار حتى تنتخب الأمم المتحدة رئیسًا تنفیذیًا جدیدًا للیبیا، لکن أفعاله بعد استقالته تشیر إلى أنه یرید لعب دور رئیسی فی الحکومة اللیبیة الجدیدة. بین قول وداعًا والبقاء فی السلطة، بدا الأمر مختلفًا أن سراج نفسه کان یفکر فی فکرة ثانیة.

أعرب سراج مرارًا عن معارضته لاستبدال رئیسة مجلس النواب عقیلة صالح، التی وصفها بأنها شخصیة طموحة ومؤیدة لحفتر. على الرغم من عدم تواصل قادة الحکومتین الشرقیة والغربیة فی لیبیا مع بعضهما البعض رغم التدخل المستمر وجهود مصر والإمارات، لکن وراء هذا العذر، قال مسؤولون غربیون ولیبیون إنهم یعتقدون أن معارضة سراج کانت أساسًا لوزیر داخلیته، فتحی باشاغا، الذی أراد أن یخلفه، وأن القضیة کانت مهمة جدًا بالنسبة له لدرجة أنها أخرت استقالته وقد منحه هذا حافزًا إضافیًا للبقاء فی السلطة فی لیبیا.

سراج ومعاونیه، الذین یسعون الآن بشکل یائس لترسیخ موقفهم السیاسی فی انتخابات 2021، کثفوا جهودهم ویبحثون عن بدائل أخرى غیر وزیر الداخلیة باشاغا. فی طرابلس، رسم قادة متشددون خطوطًا معارضة لخیار مثل الباشاغا، معلنین دعمهم للحکومة الحالیة. على سبیل المثال، من خلال تشکیل مجموعة خاصة لمکافحة الإرهاب بقیادة رئیس الوزراء نفسه، فقد قللوا من سلطة وزیر الداخلیة. لکن معارضة الحکومة المقبلة برئاسة باشاغا لا تقتصر على الجماعات المسلحة، بل على معظم مستشاری سراج وحلفائه السیاسیین، بالإضافة إلى شبکة داعمة بالکامل عینهم کمدراء تنفیذیة فی الشرکات المملوکة للدولة على مدى السنوات الخمس الماضیة یعتبرون أن مصالحهم تعتمد على سراج ویعارضون الباشقة. إنهم قلقون بشأن مستقبل الحکومة الجدیدة، مما قد یهدد وصولهم إلى مصالحهم المستقبلیة.

فی شرق لیبیا، حفتر رجل عسکری عنید معروف، لقد أصبح جنرالًا سیاسیًا من قبل حلیفه الرئیسی، رئیس مجلس النواب، عقیلة صالح، وأصبح مفتونًا بهذا العنوان لدرجة أنه لم یعترف بهزائمه الکبرى الأخیرة. ومع ذلک، فإن جهوده للحفاظ على موقعه السیاسی والعسکری فی نفس الوقت لم تنجح وفقد جزءًا من مصداقیته مع حلیفته المحلیة عقیلة صالح ومع حلفائه الأجانب السابقین مثل مصر وروسیا. ومؤخرا ترددت أنباء عن اشتباکات بین بعض الکتائب الخاضعة لقیادته فی مدینة سرت لکن لا ینبغی التغاضی عن أن الجیش لا یزال تحت تصرفه ویستمع إلیه. ولن یکون على استعداد لخسارة منصبه بسهولة.

على الرغم من أن الأمم المتحدة قد حددت المبادرات الحالیة على أنها حل لیبی لیبی، إلا أنه لا ینبغی إغفال أن صانعی القرار الرئیسیین فی هذا الصدد هم قوى أجنبیة، وعلى الأخص مصر وترکیا، یسعى کل منهما للعب دور أکبر فی مستقبل لیبیا. السلطة التنفیذیة. صناع القرار الرئیسیون فی هذا الصدد هم القوى الأجنبیة، وعلى الأخص مصر وترکیا، وکل منهما تحاول لعب دور أکبر فی الفرع التنفیذی المستقبلی فی لیبیا. ترید ترکیا أن تکون لیبیا هی المنتصرة فی قضیة البحر الأبیض المتوسط ، وفی الوقت نفسه تحاول مصر أن یکون لها وجود موازٍ مع ترکیا فی لیبیا لمنع تسلل الإخوان المسلمین؛ لکن الأهم من ذلک، أن القوة التمثیلیة لکلا البلدین لها تأثیر مباشر على کیفیة تفاعل الإدارة الأمریکیة الجدیدة مع کل منهما وکیف تعاملت الولایات المتحدة بعد ترامب مع القضیة اللیبیة.

تُظهر تصریحات مسؤولین جدد فی الإدارة الأمریکیة أن الولایات المتحدة بقیادة بایدن، على خطى شرکائها الأوروبیین، تفکر فی عملیة استقرار نسبی فی لیبیا من خلال الترکیز على المصالح الغربیة والتعبئة الروسیة وانسحاب میلیشیات فاغنر. فی أحدث موقف علنی لها، دعمت الولایات المتحدة تحرک الأمم المتحدة الأخیر فی لیبیا، معارضة أی خطة لتقسیم أو احتلال أو فرض حل سیاسی خارجی على لیبیا، وکذلک أی تدخل عسکری خارجی فی لیبیا. ودعماً لوقف إطلاق النار والمحادثات التی ترعاها الأمم المتحدة، أوضحت أنه لا یوجد حل عسکری للصراع اللیبی. یجب على الجمیع الالتزام باتفاقیة برلین وإنهاء العملیات العسکریة ونقل المعدات العسکریة الأجنبیة إلى لیبیا. قد تؤدی الاختلافات فی نهج واشنطن إلى تعزیز جهود الأمم المتحدة للتوسط بین الجماعات المسلحة والجماعات السیاسیة المتناحرة فی لیبیا وداعمیها الدولیین.

فی هذه الأثناء، النبأ الأهم هو انتخاب بریت ماکغورک مبعوثا أمریکیا خاصا للشرق الأوسط وشمال أفریقیا. من المهم أن یعرف الأتراک أن ماکغورک، بصفته ممثل الولایات المتحدة فی محاربة داعش، له علاقات وثیقة مع الأکراد والقادة العسکریین الأکراد، وأن استقالته کانت احتجاجًا على الضوء الأخضر الأمریکی لترکیا لمهاجمة الأکراد- المناطق الخاضعة للسیطرة الأکراد فی تل أبیض ورأس العین. لا یبعث هذا التعیین برسالة جیدة إلى ترکیا وقد یکون مصدرًا لمزید من الخلافات بین واشنطن وأنقرة. یبدو أن حکومة بایدن تقوم بأکبر التغییرات فی العلاقات مع مصر بین القوى الإقلیمیة المشارکة فی الأزمة اللیبیة. انتقد بایدن ومستشاروه بشدة انتهاکات حقوق الإنسان فی مصر، ومن المتوقع أن یتخذوا موقفًا أکثر صرامة ضد القاهرة.

ومع ذلک، فمن الواضح أن الأمم المتحدة وممثلها الخاص فی لیبیا یواجهان محادثات صعبة هذا العام. والحالة اللیبیة تشهد تغیرات عمیقة، والمستقبل هو الذی یحدد ما إذا کانت هذه التطورات ستؤدی إلى عودة السلام والاستقرار إلى لیبیا وإلى تفاهم وتعاون إقلیمی أوسع، أو على العکس من ذلک، إلى مزید من تصعید أزمة البلاد.

 محمد نیکخواه خبیر أول فی دراسات أفریقیا

       "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است