الموجة الرابعة من القومیة العربیة؛  الفرص والتهدیدات

فی السنوات الأخیرة، انتشرت موجة جدیدة من القومیة العربیة فی دول الخلیج العربی، وهی موجة محددة ومنطویة وملهمة ومقبولة شعبیا. قبل أن أتناول خصائص الموجة الرابعة من القومیة العربیة وأعدد فرصها وتهدیداتها بالنسبة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، لا بد من إلقاء نظرة موجزة على ثلاث تجارب قومیة فی العالم العربی.
25 صفر 1445
رویت 515
سید محمد حسینی

فی السنوات الأخیرة، انتشرت موجة جدیدة من القومیة العربیة فی دول الخلیج العربی، وهی موجة محددة ومنطویة وملهمة ومقبولة شعبیا. قبل أن أتناول خصائص الموجة الرابعة من القومیة العربیة وأعدد فرصها وتهدیداتها بالنسبة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، لا بد من إلقاء نظرة موجزة على ثلاث تجارب قومیة فی العالم العربی.

حدثت الموجة القومیة الأولى فی العالم العربی بعد انهیار الإمبراطوریة العثمانیة.  کانت معاهدة صور فی عام 1920 تجسیدًا ملموسًا للموجة الأولى من القومیة العربیة (والترکیة)، والتی أدت إلى تشکیل الدول العربیة سوریا ولبنان والعراق والأردن فی منطقة الشامات وبلاد ما بین النهرین. وبطبیعة الحال، ینبغی البحث عن الجذور النظریة لإضعاف الخلافة فی الدولة العثمانیة وتعزیز الفکرة الحدیثة فی إصلاحات السلطان عبد الحمید، بعد حرب القرم 1853-1856 (مرسوم همایونی)، التی عمدا أو أضعفت دون قصد أسس الحکم المبنی على الشریعة وعززت أسس الحکم الحدیث.

کانت سمة الموجة الأولى من القومیة العربیة هی تشکیل دولة أصلیة ذات حدود جغرافیة محددة نسبیًا وترک الإمبراطوریة العثمانیة أو ترک السیطرة الاستعماریة المباشرة لإنجلترا وفرنسا. ولذلک، أدت هذه الموجة إلى المملکة العربیة السعودیة عام 1937، وإلى الیمن عام 1962، وبعد خروج إنجلترا من الخلیج الفارسی عام 1969، تشکلت الکویت والبحرین والإمارات العربیة المتحدة وقطر وعمان. بدأت الموجة الثانیة من القومیة العربیة، ذات الخصائص الاشتراکیة الیساریة والمبنیة على العداء المشترک لإسرائیل، فی مصر فی الخمسینیات من القرن الماضی. وبعد هزیمة الدول العربیة فی الحرب مع إسرائیل عامی 1948-1949، أدى انقلاب الضباط الأحرار فی مصر عام 1952 إلى سقوط النظام الملکی وصعود جمال عبد الناصر. وکان ناصر قد استولى على السلطة بشعارات الاشتراکیة ومحاربة الإمبریالیة، التی کانت جذابة للغایة وکان لها مشترون فی تلک السنوات، خاصة بعد هزیمة مصر أمام إسرائیل، وشکل الجیش العربی لتحریر فلسطین. وأدت الموجة الثانیة فی سوریا والأردن والعراق، بعد مصر، إلى إنشاء الجیش بشعار الاشتراکیة فی الداخل ومحاربة الإمبریالیة فی الخارج. وما وضع هذه الدول فی تحالف هو العداء المشترک بینها وبین إسرائیل.  لقد تسببت هزیمة العرب أمام إسرائیل فی حرب الأیام الستة عام 1967 وحرب عام 1973، والفساد والدکتاتوریة وعدم الکفاءة الاقتصادیة فی البعد الداخلی، فی هزیمة الموجة القومیة الثانیة فی العالم العربی. ورغم أن زمن سقوط الحکومات العسکریة الناشئة عن الموجة الثانیة کان مختلفا، إلا أن هذه الموجة القومیة سرعان ما فقدت دینامیکیتها.  لقد مرت مصر والأردن بتغییر جذری، وسقط حزب البعث العراقی، وأصبحت سوریا دولة مفلسة بعد الحرب.

وکانت الموجة الثالثة من القومیة العربیة مستوحاة من ترکیا أتاتورک وإیران فی عهد بهلوی.  کانت العلمانیة والغربیة والحداثة الزائفة هی السمات الممیزة لجمهوریة ترکیا وإیران خلال العهد البهلوی، والتی سعت من خلال وجودها فی الکتلة الغربیة إلى التنمیة الداخلیة وزیادة المکانة الدولیة.  بدأت الموجة الثالثة من القومیة العربیة بشکل جدی فی مصر فی عهد أنور السادات. وباتفاقیة کامب دیفید دخلت مصر فی عملیة المصالحة مع إسرائیل والغرب؛  لقد أعطى زمام المبادرة الأمنیة لأمریکا ووضع رسمیًا أهم دولة على خط المواجهة فی الحرب مع إسرائیل فی التحالف الأمریکی الإسرائیلی.  أما الموجة الثالثة، التی اکتسبت شعبیة فی بلدان عربیة أخرى فی نفس الوقت الذی حدثت فیه الثورة الإسلامیة فی إیران، فبدلاً من العداء لإسرائیل، عززت العداء لإیران الثوریة.  کما عززت الدول العربیة تدریجیاً هذا الوجه من القومیة. وما یمیز هذا الوجه القومی؛  وکانت العلمانیة هی التبعیة للغرب، وخاصة أمریکا، والعداء لإیران.  ولا تزال الموجة الثالثة من القومیة العربیة حیة، لکنها أصبحت غیر فعالة فی کثیر من الحالات. إن الاعتماد الأمنی للدول العربیة على الغرب وأمیرکا، وخاصة بعد الربیع العربی (بعد بقاء مبارک فی البیت الأبیض)، واجه حالة من عدم الیقین الشدید.  أدى التوسع الإقلیمی لإسرائیل إلى زیادة مخاوف الدول العربیة، کما واجهت الوحدة العربیة القائمة على معارضة إیران شکوکًا وتحدیات جدیدة بعد الحرب السوریة وصعود تنظیم داعش. وتتابع أمریکا وإسرائیل مشروع تطبیع علاقات إسرائیل مع الدول العربیة من أجل الحفاظ على الموجة الثالثة من القومیة العربیة، بحیث یبقى الاعتماد الأمنی للدول العربیة على الکتلة الغربیة وتوضع إیران فی موقف ضعیف و إمکانیة زیادة العمق الاستراتیجی الإسرائیلی فی الدول العربیة بحجة المواجهة المشترکة مع إیران.

إن نظرة إلى الممارسات السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة للدول العربیة فی العقد الماضی تظهر أن الموجة الرابعة من القومیة العربیة قادمة.  وکما سنقول أدناه، فإن هذه الموجة تصاحبها فرص وتهدیدات لإیران.  ما هی سمات الموجة الرابعة من القومیة العربیة؟

1- أما الموجة الرابعة من القومیة العربیة، على عکس الموجة الثالثة، التی اتسمت بخصائص الانبساط، فهی انطوائیة وتسعى إلى الحکم الرشید مع مهمة خاصة تتمثل فی خلق الأمن والازدهار والکرامة الدولیة.

2- ولا تسعى الموجة الرابعة إلى تعزیز السیادة الشعبیة والدیمقراطیة، فزیادة متوسط العمر المتوقع، وتعزیز الهویة الوطنیة، وجذب الاستثمارات الأجنبیة على نطاق واسع والتنمیة الداخلیة هی محاور القومیة العربیة الحدیثة.

3- الموجة الرابعة؛  إنها علمانیة وضد الأیدیولوجیة فی السیاسة الداخلیة والخارجیة.  التعایش المتبادل بین أتباع الدیانات على أساس الاحترام المتبادل والشرعیة وإضفاء الطابع الرسمی الدینی؛  إن استراتیجیة القومیة العربیة الحدیثة هی تجاه الدین والأیدیولوجیة.  على سبیل المثال، یمکننا أن نذکر عزلة الإخوان المسلمین والوهابیة فی الدول العربیة.

4- تسعى القومیة العربیة الحدیثة إلى تقلیل الاعتماد الأمنی على الکتلة الغربیة وأمریکا فی السیاسة الخارجیة وتسعى إلى التنویع فیما یتعلق بالقوى العظمى والسیاسة الخارجیة المتوازنة (التوازن فی السیاسة الخارجیة).  ویتم شرح توسیع العلاقات مع الصین وروسیا وترکیا فی إطار هذه الاستراتیجیة.

5- فبدلاً من استعداء إسرائیل وإیران، تسعى القومیة العربیة الحدیثة إلى احتواء إسرائیل وإیران.  کما یتم شرح عملیة التطبیع مع إسرائیل وتهدئة التوترات العربیة مع إیران فی إطار هذه الاستراتیجیة. وجهة نظر الدول العربیة على المدى الطویل تجاه إیران؛  نموذج کوریا الشمالیة موجود فی شرق آسیا.  إنهم یریدون کبح القوة العسکریة الإیرانیة، وفی الوقت نفسه ستتحول إیران من قوة إقلیمیة إلى دولة عالقة فی أزمات داخلیة ودولیة.

إن فرص وتهدیدات القومیة العربیة الحدیثة بالنسبة للجمهوریة الإسلامیة مخفیة فی الأسطر الخمسة المذکورة أعلاه. إن الحاجة إلى الاستقرار والتنویع فی العلاقات الخارجیة هی إحدى فرص القومیة العربیة الحدیثة بالنسبة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة. إن نزع الأیدیولوجیة، والتطبیع مع إسرائیل، والتحول إلى نموذج الحکم العربی للرأی العام داخل إیران، وکبح القوة العسکریة الإیرانیة وعزل إیران على المدى الطویل سیکون أیضًا من بین التهدیدات الخطیرة للقومیة العربیة الحدیثة لجمهوریة إیران الإسلامیة.

سید محمد حسینی، خبیر أول فی مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"  

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است