الحرب والسلام في أوكرانيا؛ هل بريطانيا هي المفتاح الرئيسي؟!

مع مرور أكثر من ثلاث سنوات على النزاع الأوكراني، نشهد أيامًا حساسة في خضم السعي نحو الحرب والسلام، وتطلعات معلقة على رغبة الرئيس ترامب.
16 رمضان 1446
رویت 65
علی‏ بمان اقبالی زارتش

مع مرور أكثر من ثلاث سنوات على النزاع الأوكراني، نشهد أيامًا حساسة في خضم السعي نحو الحرب والسلام، وتطلعات معلقة على رغبة الرئيس ترامب. يأتي هذا في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تنظيم علاقاتها مع موسكو والتوسط في إحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا. والحقيقة أن العملية العسكرية الخاصة التي شنتها روسيا في أوكرانيا عام 2022 تحولت إلى أكبر وأكثر الصراعات دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية؛ إذ خلف هذا النزاع مئات الآلاف من القتلى والجرحى، وشرد الملايين، وأطلق أشد مواجهة بين موسكو والغرب بتكاليف تقدر بمئات المليارات من الدولارات في العقود الأخيرة. خلال الحرب، انتقدت روسيا واشنطن لدورها البارز في تقديم المساعدة إلى كييف، وتدهورت العلاقات بين الطرفين إلى أسوأ حالاتها منذ الحرب العالمية الثانية، لكن مع وصول ترامب إلى السلطة، تغير هذا الأمر وتوقف العداء الصريح من جانب واشنطن. في المقابل، تواصل لندن تأجيج الفوضى والحرب في أوكرانيا، ويعتقد بعض المسؤولين الروس أن بريطانيا تعتبر الآن العدو الرئيسي لموسكو؛ لأن بريطانيا تعمل بمثابة القوة الدافعة للغرب في خلق معارضة لروسيا. وفي هذا السياق، وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ستارمر بأنه عامل لتأجيج التوترات في اللحظة التي يسعى فيها ترامب لتهدئتها. كما أثارت تصريحات ستارمر الأخيرة بشأن احتمال إرسال قوات وطائرات بريطانية إلى أوكرانيا كجزء من قوات حفظ سلام محتملة، غضب كبار السياسيين الروس. بالإضافة إلى ذلك، يُنظر إلى استضافته لاجتماع "تحالف النوايا الحسنة" وجهوده الشخصية للضغط على ترامب عبر الاتصال به لدعم أوكرانيا، على أنهما عاملان مضاعفان.

بريطانيا، التي لعبت دورًا بارزًا في الأيام الأولى لهذا النزاع ولا تزال تدعم كييف بشدة، تم تقديمها على أنها العدو الأول الجديد لروسيا؛ إذ إن طرد دبلوماسيين بريطانيين اثنين بسبب خلافات تتعلق بالتجسس، بالإضافة إلى تهديد أحد المقربين من فلاديمير بوتين بالاستيلاء على الأصول البريطانية في روسيا، تشير هذه الأمور إلى تصاعد العداوات الأخيرة. ومن اللافت أن جهاز المخابرات الخارجية الروسي أعلن في بيان علني أن لندن اليوم، تمامًا كما كان الحال في كلتا الحربين العالميتين في القرن الماضي، تعمل كمحرك عالمي للحرب، وتسعى لعرقلة مشاورات ترامب للتوسط في إحلال السلام في أوكرانيا. على أي حال، تقدم بريطانيا التدريب والتمويل للجيش الأوكراني، وكانت أول دولة وعدت بتزويد أوكرانيا بدبابات قتال غربية الصنع، وقامت بتسليم صواريخ كروز بعيدة المدى في وقت كانت فيه دول أخرى مترددة، بهدف استهداف عمق الأراضي الروسية.

هناك موضوع مهم آخر يتمثل في سعي أوروبا نحو الاستقلال الدفاعي والأمني، وتلعب بريطانيا دورًا بارزًا في هذه العملية. وفي هذا السياق، يجري رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محادثات مع 37 دولة لتشكيل تحالف رائد لأوكرانيا في حال التوصل إلى اتفاق سلام. كما تسعى بريطانيا وفرنسا إلى تعزيز موقف أوكرانيا في المفاوضات؛ لأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى للتوصل إلى اتفاق في الحرب الروسية الأوكرانية، وتقوم القوتان النوويتان الأوروبيتان بتطوير خطة للمساعدة في ضمان أمن أوكرانيا. وجدير بالذكر أن تحالف المتطوعين يضم دولًا من أوروبا ودول الكومنولث وآسيا، والتي تقدم التمويل أو القوات أو الطائرات أو السفن العسكرية للمساعدة في حماية أوكرانيا من روسيا. كما انضمت دول غير أعضاء في الناتو مثل أستراليا واليابان ونيوزيلندا إلى محادثات منفصلة في باريس مع قادة عسكريين من عشرات الدول الأوروبية وكندا.

في سياق جهود السلام، قال ترامب في آخر تصريح له: "لقد أجريت محادثات جيدة وبناءة للغاية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهناك فرصة جيدة للغاية لإنهاء هذه الحرب الرهيبة والدموية أخيرًا". وأضاف: "في هذه المرحلة، يحاصر الجيش الروسي والجيش الروسي آلاف الجنود الأوكرانيين بالكامل، وقد طلبت بشدة من الرئيس بوتين الحفاظ على حياتهم، وقتل هؤلاء الأشخاص سيكون مذبحة مروعة لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية". كما أعلن الكرملين يوم الجمعة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أرسل عبر المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، مقترحاته الخاصة بوقف إطلاق النار في أوكرانيا إلى دونالد ترامب.

بشكل عام، تسعى بريطانيا وفرنسا إلى منع الولايات المتحدة من الاستسلام لمطالب فلاديمير بوتين بتجريد أوكرانيا من السلاح وإجبار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على إجراء انتخابات قبل التوصل إلى اتفاق سلام دائم. وفي هذا السياق، وبعد قمة أوروبية في لندن في منتصف مارس 2025، أعلن ستارمر أن بريطانيا مستعدة لدعم تحالف الرواد لتنفيذ أي اتفاق سلام في أوكرانيا بقوات على الأرض وطائرات في السماء؛ مع التأكيد على أن الدول الأوروبية يجب أن تتحمل هذا العبء، ولا شك أن الدعم الأمريكي ضروري. خلاصة القول، أنه بدون مشاركة ودور مثلث لندن وباريس وبرلين، لن يكون تحقيق السلام والاستقرار الدائمين على ضفاف البحر الأسود أمرًا متاحًا بسهولة؛ لأنه من بين الدول الأوروبية، كانت بريطانيا الأكثر استياءً من الكرملين والرئيس بوتين شخصيًا لأسباب مختلفة، خاصة محاولة موسكو احتكار أوروبا في القضايا السياسية والاقتصادية الهامة، ولديها إرادة جادة لإضعاف روسيا في محور أوراسيا وتحقيق توازن القوى الكبرى.

علي بمان إقبالي زارج، رئيس مجموعة دراسات أوراسيا

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است