وصف محللون عسكريون غربيون الهجمات الأخيرة التي شنتها أوكرانيا على أسطول القاذفات الاستراتيجية الروسية بأنها واحدة من أجرأ عملياتها على مدار الحرب. هذه الهجمات، التي نُفذت بـ 117 طائرة مسيّرة على بعد آلاف الكيلومترات من خطوط الجبهة، ألحقت خسائر تُقدر بما بين 6 إلى 7 مليارات دولار بهذه المعدات المتطورة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه القاذفات، إلى جانب الصواريخ الأرضية وتلك التي تُطلق من الغواصات، تشكل جزءاً من الثالوث النووي وأكبر ترسانة نووية في العالم تملكها روسيا.
وصرح فولوديمير زيلينسكي، الذي أشرف شخصياً على هذه العملية، بأن هذا النجاح قد ساهم بشكل كبير في استعادة ثقة الشركاء الدوليين في قدرات أوكرانيا. وفي إشارة إلى التكتيكات المبتكرة مثل إخفاء الطائرات المسيّرة في الأسقف الخشبية للشاحنات، أكد قائلاً: "أوكرانيا لن تستسلم، ولن يؤثر أي إنذار نهائي على إرادة كييف في مواصلة المعركة". وأضاف زيلينسكي في الختام: "نحن لا نرغب في مواصلة الحرب، لكن العدو أيضاً لا ينوي التوقف؛ لذلك، قمنا باستعراض قوتنا".
في هذا السياق، صرح مسؤول في الإدارة الأمريكية بأن ترامب والبيت الأبيض لم يتم إبلاغهما بهذا الهجوم، كما قال مسؤول حكومي سابق في كييف إن أوكرانيا، لأسباب تتعلق بالأمن العملياتي، لا تبلغ واشنطن عادةً بخططها لمثل هذه الإجراءات. وفي الوقت نفسه، قال مسؤول في الحكومة البريطانية إن حكومته أيضاً لم تكن على علم مسبق بهذه العملية.
في أعقاب هذه الهجمات، وجّه الفريق المتقاعد أندريه غوروليوف، عضو مجلس الدوما والناقد السابق لوزارة الدفاع الروسية، لوماً شديداً للأجهزة الخاصة في بلاده لفشلها في حماية القواعد الجوية والسماح بتسلل الطائرات المسيّرة. وفي الوقت ذاته، يعتقد محللون عسكريون روس آخرون أن كبار القادة، اعتماداً على المسافة الشاسعة التي تفصل المنشآت العسكرية الحيوية عن الحدود الأوكرانية، لا يزالون يتجاهلون ضرورة توفير حماية جادة لهذه المراكز. هذه هي نفس العقلية التي أدت مراراً في السابق إلى إخفاقات كبيرة وكشفت عن قدرة أوكرانيا على انتهاك المجال الجوي والحدود الروسية.
من منظور استراتيجي، فإن خسارة 40 قاذفة استراتيجية في يوم واحد — أي ما يعادل ثلث هذا الأسطول بأكمله — تحمل في طياتها تداعيات بالغة الأهمية. هذه الهجمات، التي استهدفت بشكل مباشر القدرة النووية الاستراتيجية لروسيا، تثير القلق من أن تجد موسكو، بناءً على عقيدتها النووية، مبرراً لاستخدام الأسلحة الذرية.
بالطبع، استخدمت روسيا طوال الحرب، خاصة من خلال تصريحات ديميتري ميدفيديف، التهديد النووي كأداة لتقييد المساعدات العسكرية الغربية لكييف وإضعاف القدرة الهجومية لأوكرانيا. وفي السياق ذاته، بعد أن أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر للهجمات الأوكرانية بعيدة المدى في نوفمبر 2024، وقّع فلاديمير بوتين على العقيدة النووية الروسية المحدّثة. كانت هذه الخطوة أيضاً جزءاً من مساعي موسكو لإقناع صانعي السياسات الغربيين بوقف دعمهم لأوكرانيا.
إن القدرة على التقدم التكنولوجي، وامتلاك معلومات استخباراتية قوية، والإقدام الجريء على عكس الاتجاهات العسكرية التي اعتبرها العديد من المراقبين حتمية، هي من أبرز سمات الصراع الأوكراني. وقد تحول أول استخدام لأوكرانيا للطائرات المسيّرة الهجومية في عام 2023 إلى تكتيك واسع النطاق سمح لها بالصمود في وجه هجمات المشاة الروسية الاستنزافية على جبهات طويلة وخطيرة. كما استخدمت أوكرانيا المسيّرات البحرية لمهاجمة أسطول البحر الأسود الروسي الثمين. والنقطة المهمة هي أن تنفيذ العمليات بالمسيّرات لم يؤدِ إلى تغيير في وضع ميدان المعركة، فروسيا تتقدم ببطء ولا تُظهر أي اهتمام حقيقي بوقف إطلاق النار والسلام؛ ذلك لأن الهموم الرئيسية لأوكرانيا وروسيا تختلف اختلافاً جوهرياً ومتباعدة. فبالنسبة لموسكو، الأولوية هي لضمانات أمنية ودفاعية مستدامة تقوم على وقف توسع الناتو ونزع سلاح أوكرانيا، بينما تسعى كييف إلى العودة إلى ظروف ما قبل الحرب، وتشديد العقوبات، ومواصلة عملية التكامل مع الناتو. لذا، يجب القول إن كييف، بعد أي اتفاق سلام محتمل، لا تريد أي قيود على قواتها العسكرية، ولن تقبل بأي اعتراف دولي بسيادة روسيا على أجزاء أوكرانيا التي تحتلها القوات الروسية؛ وفي الوقت نفسه تطالب بتعويضات.
من ناحية أخرى، طالب زيلينسكي مراراً الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترامب بفرض عقوبات أشد على روسيا إذا ما قامت موسكو بعرقلة محادثات السلام. وفي الوقت نفسه، قال زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأمريكي: سيبدأ العمل قريباً على مشروع قانون يفرض عقوبات صارمة على روسيا وعقوبات ثانوية على الدول التي تتاجر مع روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، ونحن على استعداد لتزويد الرئيس ترامب بجميع الأدوات اللازمة لجلب روسيا أخيراً إلى طاولة المفاوضات.
على الجانب الآخر، أبلغت روسيا أوكرانيا يوم الاثنين الماضي في محادثات السلام بأنها لن توافق على إنهاء الحرب إلا إذا تنازلت كييف عن مناطق جديدة وواسعة من أراضيها، وقبلت بقيود عددية على جيشها، كما يجب عليها إلغاء الأحكام العرفية وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في غضون 100 يوم.
في خلاصة القول، يمكننا أن نعتبر أن عملية «شبكة العنكبوت» قد أدخلت الحرب الأوكرانية في مرحلة جديدة؛ مرحلة ستؤثر بلا شك على التكتيكات المستقبلية لكلا الطرفين في هذه الحملة العسكرية.
ومع ذلك، يبدو أن تصميم وتنفيذ عملية بهذا المستوى من التعقيد يتجاوز القدرات المستقلة لأوكرانيا، ومن المرجح أن يكون للمستشارين العسكريين والخبراء من الدول الأعضاء في الناتو دور رئيسي فيها. وبالطبع، لا ينبغي إغفال العامل الآخر في هذا النجاح: نقاط الضعف الاستخباراتية والأمنية الكبيرة والإهمال الروسي في حماية مراكزها الاستراتيجية، والذي كان له إسهام كبير في هذه الخسارة الفادحة.
في نهاية المطاف، تُظهر هذه التطورات أن المعركة في جغرافيا الحرب مستمرة بشدة، وأن التنافس الاستراتيجي بين روسيا والمحور الأوروبي الأطلسي سيظل قائماً على مستوى عابر للقارات.
علي بمان إقبالي زارتش، رئيس مجموعة دراسات أوراسيا
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"