تعزّزت العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية الصين الشعبية وتوسّعت أبعادها في السنوات الأخيرة، خاصةً مع تصاعد وتيرة العقوبات الغربية ضد إيران. لطالما تأثرت هذه العلاقات، التي تأسست على قاعدة المصالح الاستراتيجية والاقتصادية المشتركة، بالديناميكيات الإقليمية والدولية. وقد دخلت مرحلةً جديدةً عقب الهجوم الإسرائيلي على إيران في يونيو 2025 الذي استمر لمدة 12 يومًا.
في منظور العلاقات الإيرانية الصينية، تظهر هواجس طهران وبكين كوجهي عملة واحدة؛ إذ تعكس مصالح متبادلة ولكن بأولويات متباينة. بالنسبة لإيران، تمثل هذه العلاقة مخرجًا من الاقتصاد الأحادي المنتج وكسرًا للعزلة الناجمة عن العقوبات الغربية. تسعى طهران إلى جذب استثمارات صينية ضخمة في شرايين اقتصادها الحيوية، من البنية التحتية إلى الصناعات الحديثة، بهدف تنويع صادراتها غير النفطية. وعلى الساحة الدولية أيضًا، تنظر إيران إلى الصين كحليف استراتيجي يمكنه أن يشكل ثقلًا سياسيًا في مواجهة الضغوط الغربية ويعمق التعاون الدفاعي والأمني.
على النقيض من ذلك، تنظر الصين إلى المعادلة من زاوية مختلفة، فهاجسها الرئيسي هو ضمان الاستقرار في غرب آسيا لتأمين إمدادات الطاقة وتجارتها.
لا تُعد إيران بالنسبة للصين مصدرًا مستدامًا للطاقة فحسب، بل هي حلقة وصل رئيسية في مبادرة "الحزام والطريق"، مما يمنحها أهمية جيوستراتيجية. ومع ذلك، تتبع بكين نهجًا حذرًا تسعى من خلاله إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع جميع الأطراف في المنطقة، بما في ذلك الدول العربية وإسرائيل، بهدف لعب دور الوسيط المحايد والقوي لمنع أي توتر قد يهدد مصالحها الاقتصادية واستثماراتها الضخمة.
على الرغم من الهواجس المتباينة نسبيًا المذكورة أعلاه، تتمتع العلاقات الإيرانية الصينية بإمكانيات هائلة للتنمية. لقد فتحت وثيقة التعاون الشامل لمدة 25 عامًا بين البلدين آفاقًا جديدة في مختلف المجالات. وتشمل هذه الفرص ما يلي:
الاقتصاد والتجارة: تتمتع إيران، كواحدة من أكبر مالكي احتياطيات النفط والغاز في العالم، والصين، كأكبر مستهلك، بتكامل اقتصادي طبيعي. بالإضافة إلى النفط والغاز، هناك إمكانات كبيرة لتصدير المنتجات الإيرانية غير النفطية إلى الصين واستيراد التكنولوجيا والسلع الصناعية منها. يمكن للصلب ومنتجات الحديد، والمنتجات القائمة على المعرفة مثل تكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية التي تعد من القدرات العلمية الإيرانية، والحرف اليدوية والسجاد اليدوي الإيراني الشهير، أن تجد أسواقًا خاصة في الصين.
البنية التحتية والتنمية: يمكن أن يساهم استثمار الصين في مشاريع البنية التحتية الإيرانية، بما في ذلك النقل (السكك الحديدية والطرق والموانئ)، والطاقة (محطات الطاقة والمصافي)، والاتصالات (تطوير الجيل الخامس)، بشكل كبير في التنمية الاقتصادية لإيران. ومن بين هذه الفرص استكمال خط سكة حديد شرق-غرب وشمال-جنوب، وتطوير سواحل مكران وميناء جاسك، ومكافحة التصحر، والمساعدة في تطوير الزراعة المستدامة.
التكنولوجيا والصناعات المعرفية: يمكن أن يؤدي نقل التكنولوجيا والتعاون في المجالات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والسيارات ذاتية القيادة إلى تعزيز القدرات العلمية والصناعية لإيران.
الجغرافيا السياسية والإقليمية: تسعى كل من إيران والصين إلى إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب والحد من الأحادية الأمريكية. وقد أتاحت عضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس فرصًا جديدة للتكامل السياسي والأمني.
بطبيعة الحال، إن وجود فرص وفيرة وظروف مواتية لا يعني بالضرورة تشكل وتحقق التعاون بين إيران والصين في مختلف المجالات؛ إذ تعترض هذا التعاون تحديات عديدة.
العقوبات الغربية: العقبة الأهم أمام تنمية العلاقات هي استمرار وتصعيد العقوبات الأمريكية والغربية ضد إيران، مما يجعل الشركات الصينية الكبرى مترددة في التعاون مع إيران ويؤدي عمومًا إلى اقتصار التعاون على الشركات الأصغر وغير الحكومية أو آليات أكثر تعقيدًا. في هذا الصدد، بلغت حصة إيران من إجمالي التجارة الخارجية للصين في عام 2024، 0.2% فقط (بانخفاض 9% مقارنة بالعام السابق)، وذلك في حين بلغت علاقات الصين التجارية مع العالم في ذلك العام 61 تريليون دولار، وشهدت تجارتها العالمية مع بقية أنحاء العالم زيادة بنسبة 7%.
الاختلال في الميزان التجاري: يشكل الجزء الأكبر من صادرات إيران إلى الصين مواد خام (النفط الخام والمنتجات النفطية، بوليمرات الإيثيلين وغيرها من المنتجات البتروكيماوية، خام الحديد والمعادن الأخرى، المنتجات الزراعية والمكسرات). وعلى العكس من ذلك، فإن صادرات الصين إلى إيران تمنحها اليد العليا من حيث كمية ونوعية السلع المصدرة (الآلات والمعدات الصناعية، المركبات وقطع غيار السيارات، الأجهزة الإلكترونية ومعدات الاتصالات، المنتجات البلاستيكية، الحديد والصلب ومشغولاته، الأجهزة المنزلية، المنسوجات والملابس). وفقًا لإحصاءات الجمارك الصينية، التي لا تحتسب واردات النفط الإيراني بسبب مشاكل العقوبات، بلغ حجم التجارة بين إيران والصين خلال عام 2024 حوالي 13.4 مليار دولار، منها 8.9 مليار دولار صادرات صينية إلى إيران و4.4 مليار دولار واردات صينية من بلدنا. تظهر هذه الأرقام أن الميزان التجاري بين البلدين يميل بشدة لصالح الصين. وعلى الرغم من أن احتساب صادرات النفط الإيراني يقلل من هذا الاختلال إلى حد ما، إلا أن بيع المواد الخام يمثل بحد ذاته مشكلة خطيرة أخرى على المدى الطويل، وهذا الاختلال الكمي والنوعي يمكن أن يؤدي على المدى الطويل إلى تبعية اقتصادية إيرانية للصين، وتقليص القدرة التفاوضية للبلاد في المفاوضات السياسية، وحتى إلى نفوذ وهيمنة استراتيجية صينية على إيران.
القضايا الإقليمية والجيوسياسية: تسعى الصين دائمًا، بسبب مصالحها الواسعة في منطقة غرب آسيا، إلى الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع دول المنطقة ولا تميل إلى الانحياز العلني لأي طرف في النزاعات الإقليمية. هذا النهج قد لا يلبي توقعات إيران في المنعطفات الحساسة.
العوائق الداخلية في إيران: يمكن للبيروقراطية المعقدة، والقوانين والشروط غير الفعالة لجذب الاستثمار الأجنبي، وأحيانًا غياب الشفافية في تنفيذ المشاريع، أن تبطئ وتيرة التعاون. كما أن تغير توجهات السياسة الخارجية بعد كل تغيير حكومي وعدم الاستقرار في الإدارة يمكن أن يكون بمثابة عقبة خطيرة أمام تفعيل الاتفاقيات والاستفادة الكاملة من إمكانات التعاون، مما قد يضع مستقبل هذه العلاقات أمام تحديات جوهرية على المدى الطويل.
كشف الهجوم الإسرائيلي على إيران في يونيو 2025، والذي استمر 12 يومًا، عن وجه آخر للحلفاء الشرقيين والمنظمات الأمنية مثل منظمة شنغهاي، وأظهر تحديًا آخر في تطوير العلاقات مع الشرق. تميز الموقف الصيني من هذا الحدث بالتركيز على ضبط النفس والحل السلمي للنزاعات.
واكتفت بكين (كما كان متوقعًا) بالإعراب عن "قلقها العميق" من التداعيات الخطيرة للهجوم الإسرائيلي، معتبرة إياه انتهاكًا لميثاق الأمم المتحدة ومؤكدة على أنه "لا يوجد طرف يستفيد من هذا التوتر المفاجئ!".
يُعرف هذا الموقف في الأدبيات الصينية بـ "الجلوس على قمة الجبل ومشاهدة قتال النمور"، وهو تعبير يعني الحياد المدروس في الأزمات التي تكون تكلفتها باهظة على الصين، ولا ترى فيها مصالح فورية.
يُظهر هذا النهج الحذر أنه على الرغم من أن سياستها العامة هي مقاومة "الأحادية الغربية" و"السياسات العدوانية"، فإن أولويتها في الممارسة العملية هي الحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومصالحها الاقتصادية الواسعة، ولا تميل إلى التورط المباشر في النزاعات العسكرية الإقليمية.
لقد أظهرت بكين بوضوح، خلال هجوم النظام الإسرائيلي ثم أمريكا على بلادنا، أنها لا ترغب في أن تكون فاعلًا نشطًا وتلعب دورًا عمليًا لإدارة القضايا العالمية والإقليمية، وخاصة عندما تكون أمريكا طرفًا في المعادلة، حيث تسعى بحذر إلى تحقيق مصالحها من خلال تنمية التجارة أو على أقصى تقدير عبر المشاورات خلف الكواليس. في فترة ما بعد وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب أيضًا، سعت إيران إلى تأمين معدات عسكرية متقدمة من الصين لإعادة بناء قدراتها الدفاعية. ومع ذلك، فإن بيان الممثلية الدبلوماسية الصينية لدى النظام الإسرائيلي بأن "الصين لا تصدر أسلحة أبدًا للدول المتورطة في حروب، ولديها ضوابط صارمة على صادرات المواد ذات الاستخدام المزدوج"، يظهر أن توقعات إيران من الصين يجب أن تكون في الغالب في مجال الدبلوماسية والوساطة. على الرغم من أن المصالح الاقتصادية يمكن أن تدفع الصين نحو تعاملات عسكرية وأمنية سرية مع إيران، وهذا الأمر يتطلب نوعًا من الدبلوماسية العسكرية.
بشكل عام، يمكن القول إن إيران تسعى في المرحلة الحالية أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز علاقاتها مع الصين، بينما تؤكد الصين بحذر -مع الحفاظ على تعاونها الودي مع إيران- على ضرورة الحل السياسي وإعادة السلام والاستقرار إلى المنطقة، وتسعى جاهدةً في الوقت نفسه للحفاظ على علاقاتها المتوازنة مع الأطراف الأخرى.
إن العلاقات الإيرانية-الصينية، ورغم الفرص الاقتصادية والجيوسياسية الفريدة، تتحرك في فضاء معقد من العقوبات، والهاجس الأمني الإقليمي، والاعتبارات الدبلوماسية الصينية. ففي لغز الشرق الأوسط المعقد، تتبنى الصين نهجًا واقعيًا وحذرًا يُعطي الأولوية لمصالحها الاقتصادية والاستقرار الإقليمي على الانحياز الكامل لطرف معين.
وفي ظل الظروف التي تقف فيها الدول القوية والمؤثرة في العالم إما في المعسكر الغربي، أو تتجنب المواجهة مع الغرب -وخاصة أمريكا- رغم إعلانها بعض المواقف الاستقلالية والداعية للتعددية؛ يجب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تضع في اعتبارها أكثر من أي وقت مضى نهج تنويع سياستها الخارجية، وعدم الاعتماد على قوة عالمية واحدة أو اثنتين.
وبشكل خاص فيما يتعلق بالصين، يجب أن تركز الدبلوماسية الإيرانية النشطة على تفعيل وثيقة التعاون لمدة 25 عامًا، وجذب استثمارات حقيقية، وزيادة قدرة الصادرات غير النفطية، والاستفادة القصوى من إمكانات شركات التكنولوجيا الصينية لمواكبة التطورات العالمية. ومن أكثر الطرق فعالية لتنمية التعاون مع الصين هو أن تجعل إيران نفسها جزءًا من سلسلة القيمة والتوريد الصينية، على غرار دول الخليج المؤثرة الأخرى، من خلال إقامة وتطوير روابط اقتصادية عميقة، لربط مصالح الصين الاقتصادية بدعم شامل لإيران. وفي هذا السياق، فإن مستقبل علاقات إيران مع الصين مرهون بالفهم الصحيح لتوجهات ومصالح هذا البلد على الساحة العالمية والاستغلال الذكي للفرص، في خضم التحولات الإقليمية والعالمية المتسارعة.
محمد مهدي مظاهري، أستاذ جامعي
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"