في يوم تكريم الصحفي، وتزامناً مع تقدير مكانة الإعلام والصحفيين في الدبلوماسية وضرورة تعزيز الصلة بينهم وبين جهاز السياسة الخارجية، تسعى هذه المقالة إلى تناول تأثير الإعلام على طبيعة السياسة الخارجية للبلاد وتشكيلها من منظور جديد، ألا وهو "نظرية الواقع الفائق"[1]. هذه الظاهرة ليست مجرد أمر تجريدي، بل هي نقاش شائع بين مفكري وخبراء الثقافة والسياسة في العالم الجديد. ويُستخدم هذا المفهوم عادةً في خطابات صانعي السياسة الخارجية والفاعلين الدبلوماسيين بعبارات مثل: التضخيم، وخلق الأجواء، وتشويه السمعة (التصوير القاتم)، والضجة الإعلامية، والصورة المشوهة، وصناعة الصورة، لوصف واقع فائق منتشر. وعلى مر السنين، في مواجهة إيران للأزمات الداخلية والخارجية، بما في ذلك قبل وبعد "الدفاع الوطني" الذي استمر 12 يوماً ضد أمريكا والكيان الإسرائيلي، أصبح الجمهور الإيراني على دراية تامة بهذه العبارات. في هذا السياق، نواجه وقائع فائقة يمكن أن تؤدي، من خلال إعادة إنتاجها محلياً كـ"واقع فائق أصيل محلياً"، إلى زعزعة استقرار البلاد سياسياً واجتماعياً. لذا، تكمن القضية في التأثير الإشكالي لتقنيات الاتصال والإعلام والتقنيات الرقمية على السياسة الخارجية للبلاد.
ما هو الواقع الفائق؟
تُعد نظرية الواقع الفائق لـ جان بودريار [2]من المفاهيم الأساسية في فلسفته ما بعد الحداثية، حيث تحلل وضع الواقع في عصر الإعلام والتكنولوجيا والنزعة الاستهلاكية. تحذر نظريته من أن الواقع الأصيل قد ابتلعته كتلة هائلة من الصور والبيانات والمحاكاة الإعلامية في عصر ما بعد الحداثة. نحن نعيش في عالم يفتقر إلى المرجعية الحقيقية، عالم تسبق فيه الخريطةُ الإقليمَ، وتكون فيه الأوهام أكثر واقعية من الواقع الملموس. وبناءً على ذلك، فإن الواقع الفائق هو حالة يُمحى فيها الحد الفاصل بين الواقع والمحاكاة بمساعدة العلامات والصور المصطنعة. في هذا الفضاء، تبدو العلامات والصور المصطنعة والمُختلقة حقيقية لدرجة أنها تظهر أكثر واقعية من الواقع الأصيل نفسه. تتميز هذه الحالة بخصائص تجسد الواقع الفائق؛ إنها مرحلة يتم فيها استبدال الواقع، وتُقبل الصور الإعلامية والنماذج الرقمية أو التجارب الافتراضية (مثل الميتافيرس) [3]كواقع حقيقي. يمكن ملاحظة أمثلة عديدة على هذه الحالة في تحولات النظام الدولي؛ مثل ذريعة وجود أسلحة دمار شامل التي ساقتها أمريكا ووسائل الإعلام الغربية لغزو العراق. في مجال السياسة، نظرية الواقع الفائق هي حيث تحل الصور والسرديات الإعلامية والرموز محل الواقع الموضوعي، بل وتؤثر على القرارات الجماعية.
يتطلب فهم هذه النظرية استيعاب عدة مفاهيم ذات صلة مثل المحاكاة [4](Simulation) و العلامات [5](Signs). يعني مفهوم المحاكاة في نظرية بودريار أنه في مجتمع ما بعد الحداثة، تم استبدال الواقع بالعلامات (مثل الصور والإعلام والإعلانات والنماذج الحاسوبية). هذه العلامات لا تعكس الواقع فحسب، بل تخلق واقعاً جديداً لا علاقة له بالعالم الخارجي. بعبارة أخرى، نحن نعيش في عالم تمت محاكاته.
في مقال نُشر عام 2024 في مجلة "Contemporary Political Theory" بعنوان "الواقع الفائق والسياسة الدولية: المحاكاة، والمشهدية، وتلاشي الحدود بين الحرب والسلام"، تتناول الباحثة في جامعة كامبريدج، صوفيا مارتينيز، والأستاذ في جامعة سنغافورة الوطنية، ديفيد تشين، تأثير الوقائع الفائقة على السياسة الدولية. يخلص مارتينيز وتشين إلى أن مفهوم الواقع الفائق يوفر أداة قوية لفهم تعقيدات ومفارقات السياسة الدولية في القرن الحادي والعشرين. ويحذران من أن إغفال هذه الظاهرة والاستمرار في التحليل بناءً على الافتراضات التقليدية حول التمييز الواضح بين الواقع والتمثيل، سيجعلنا عاجزين عن فهم الطبيعة الحقيقية للقوة والصراع والتعاون في العالم المعاصر. ويدعوان إلى تطوير أطر نظرية ومناهج بحثية جديدة تركز بشكل خاص على دور المحاكاة والإعلام والتجربة الفائقة الواقع في تشكيل الديناميكيات العالمية.
تكمن أهمية هذا المقال في تحديث النظرية النقدية (خاصة فكر بودريار) لمواجهة التحديات الفريدة للعصر الرقمي في الساحة الدولية. يمكن لظاهرة الواقع الفائق، من خلال طمس الحدود بين الواقع والتمثيل، أن تترك آثاراً عميقة على الدبلوماسية والسياسة الخارجية. يمكن تلخيص أهم التحديات الرئيسية لهيمنة وانتشار الوقائع الفائقة في مجال السياسة الخارجية على النحو التالي:
- أزمة الثقة [6](Crisis of Trust): يمكن لوسائل الإعلام العالمية الجديدة أن تنتج كماً هائلاً من السرديات المتضاربة والمعلومات المضللة التي تجعل الجمهور عاجزاً عن تمييز الواقع. إن فقدان القدرة على النقد والتحليل لدى الجمهور يمكن أن يترك آثاراً سلبية عديدة. وفقاً لمفهوم "موت الواقع" [7](Death of Reality) عند بودريار، يجادل بأنه في عصر الواقع الفائق، يحل "الحق الموضوعي" محل المحاكاة أو النسخ التي لا أصل لها. في مجال الدبلوماسية، يمكن أن يؤدي هذا إلى انعدام الثقة في المؤسسات الرسمية (مثل وزارة الخارجية أو وسائل الإعلام الحكومية)، بل ويجعل المفاوضات الدبلوماسية من أجل السلام أو الاتفاقات غير فعالة. ويُلاحظ في هذا السياق أمثلة ملموسة عديدة، منها الادعاءات المتضاربة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا، والتي أوقعت كلا الطرفين في حلقة من التبرير، أو اتهام إيران بتقديم مساعدات عسكرية لروسيا، وهو ما لم يكن ممكناً في واقع الأمر في ظروف بلادنا.
- حرب السرديات [8](Narrative Warfare): تقوم الجهات الفاعلة الحكومية أو شبه الحكومية، والجماعات السياسية، وحتى الجماعات المتطرفة والإرهابية، بتشكيل الإدراك العالمي من خلال الإنتاج الضخم للسرديات الرمزية (الأفلام، الأخبار الكاذبة، التزييف العميق) بدلاً من الحجج الواقعية. في نظرية التفكيكية (Deconstruction Theory) [9]لجاك دريدا، يُظهر أنه لا توجد سردية محايدة، وأن كل قوة أو فاعل مهيمن يسيء استخدام "ميتافيزيقا الحضور" (حضور سرديته كواقع). وبالمثل، يُلاحظ تأثير هذه الظاهرة على السياسة الخارجية في حالات كثيرة، حيث تتحول الدبلوماسية إلى منافسة من أجل الهيمنة السردية، مثل الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) ومنافعه وأضراره للأطراف، أو التنافس بين الصين والولايات المتحدة في بناء السرديات حول حقوق الإنسان.
- تآكل المساءلة [10](Accountability Erosion) :في فضاء الواقع الفائق، يمكن للفاعلين إنكار مسؤوليتهم عن أفعالهم (مثل انتهاك القوانين الدولية) من خلال خلق الارتباك. وفقاً لنظرية "مجتمع المخاطر" لأولريش بيك، يحذر من أن التقنيات الجديدة تجعل عواقب الأفعال غير قابلة للتنبؤ، وتجعل الفاعل غير خاضع للمساءلة عن أفعاله التدميرية. في هذا السياق، يمكن ملاحظة العديد من الأمثلة، أبرزها الاستخدام الموجه من قبل الحكومات وجماعات النفوذ لروبوتات الشبكات الاجتماعية لنشر أخبار كاذبة دون إمكانية تتبعها.
- انهيار الدبلوماسية التقليدية :[11](Decline of Traditional Diplomacy) في ظل هيمنة الوقائع الفائقة على الدبلوماسية، تُطرح تساؤلات حول الدبلوماسية التقليدية القائمة على المفاوضات خلف الأبواب المغلقة (Track I Diplomacy) [12]، لأن الرأي العام يصدر أحكاماً مسبقة تحت تأثير السرديات الفائقة الواقع. يوضح جيمس دير ديريان في نظرية "الحرب الفاضلة" (Virtuous War) [13]أن تقنيات الاتصال قد حولت الدبلوماسية إلى شكل وصورة افتراضية. وكمثال على ذلك، يمكن الإشارة إلى الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة)، الذي حُرم من الدعم الشعبي في الغرب وإيران بسبب السرديات المتضاربة في وسائل الإعلام.
- هيمنة الواقع الفائق [14](Hyperreality Imperialism: من البديهي أنه في عالم إنتاج الوقائع الفائقة، يكون الفاعل الذي يمتلك رأس المال والتكنولوجيا والقدرة الاتصالية الأوسع هو القوة المهيمنة. وهنا أيضاً، تلعب الأدبيات اليسارية الناشئة عن نقد القوى الكبرى دوراً، حيث تفرض هذه القوى قيمها كواقع عالمي من خلال هيمنتها على وسائل الإعلام (هوليوود، شبكات الأخبار)، وتغري الآخرين باتباع هذه القيم أو تصوّر الفاعلين النشطين كـ"معادين للقيم". يوضح إدوارد سعيد في نظريته عن الاستشراق[15] (Orientalism) كيف أن الغرب، من خلال بناء وقائع فائقة عن الشرق، يقوم بـ"أخرنته" (جعله الآخر). في عالم اليوم، تضطر الدول غير الغربية (مثل الصين) إلى اللجوء إلى بناء وقائع فائقة منافسة وطرح أفكار مثل مشروع "طريق الحرير الرقمي"[16] (Digital Silk Road) للمواجهة.
أصبحت الأيديولوجيات السياسية، بوصفها سرديات منتصرة، مثل التصنيفات السياسية الأمريكية والدول الغربية في "الحرب على الإرهاب" التي انتشرت في العالم بعد 11 سبتمبر، عاملاً مكّن الحكومة الأمريكية من تحويل هذا المصطلح إلى علامة شاملة تبرر أي عمل عسكري (من أفغانستان إلى العراق). في حين أن قلة من الدول تساءلت: ما هو التعريف الدقيق للإرهاب؟ لدرجة أن بودريار كان يعتقد أن الحرب على الإرهاب هي حرب ضد مفهوم مجرد، وليست ضد عدو حقيقي.
في الساحة السياسية الإيرانية، كانت الدبلوماسية، خاصة في الملفات الحساسة مثل خطة العمل الشاملة المشتركة أو المفاوضات النووية، مثالاً بارزاً على إنتاج وسائل الإعلام لواقع فائق من عمل دبلوماسي إيراني. حيث تقوم وسائل الإعلام الداخلية والخارجية والشبكات الاجتماعية بطمس الواقع الموضوعي في طبقات من العلامات من خلال بناء سرديات متضاربة.
ماذا يجب أن نفعل حيال الوقائع الفائقة؟
على الرغم من أن البعض يعتقد أن نظرية الواقع الفائق قد تتجاهل الجوانب الإيجابية للتكنولوجيا والإعلام، وتدعو إلى تجنب الإعلام والتقنية، وهو أمر لا مفر منه في حياة الإنسان المعاصر (وهذا النقد له ما يبرره إلى حد ما)، إلا أن الدخول إلى عالم الوقائع الفائقة دون فهمها وتأثيراتها يفرض تهديدات جمة على المصالح الوطنية وقدرات الدول. لهذا السبب، يجب رفع مستوى الوعي العام لدى مسؤولي النظام تجاه إنتاج ونشر الوقائع الفائقة. في تحليل وضع السياسة الخارجية، يمكن أن يقودنا فهم الوقائع الفائقة إلى تحقيق أهدافنا، بينما يؤدي عدم فهمها إلى إهدار القدرات الوطنية والإمكانيات الداخلية.
التحديات التي يمكن أن يخلفها تبني الوقائع الفائقة في الحوكمة متعددة، ويمكن أن تكون حتى علامة على سيطرة المحاكيات على نظام الحكم في البلاد وآثارها السلبية. عندما نشهد في مجتمع ما تسويق السياسيين كعلامات تجارية (Branding) [17]بدلاً من الأداء الفعلي للمهام المؤثرة والإيجابية، وتزايد دور الفضاء السيبراني والشبكات الاجتماعية، وتحول السياسة الخارجية إلى أداة لـ"إكس" و"فيسبوك" و"إنستغرام"، يجب أن نقبل بأننا سنشهد آثاراً جانبية مثل تدهور العقلانية العامة، واستقطاب المجتمع، وانعدام الثقة في المؤسسات العامة والحكومية، بما في ذلك جهاز السياسة الخارجية. في خضم ذلك، فإن الضحية هي الحقيقة الموضوعية والحوار العقلاني. هذا هو "موت الواقع" الذي كان يخشاه بودريار. على حد تعبيره، في عصر الواقع الفائق، لم تعد السياسة تدور حول الحقيقة، بل حول إنتاج الصور والتحكم فيها.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية مضطرة للتفكير في حل للوقائع الفائقة الغربية والشرقية التي تم بناؤها حول هوية إيران والإيرانيين. بالطبع، لا يمكن أن يكون الحل مجرد التركيز على إنتاج صورة سلبية ومشوهة أو منتجات مماثلة في صناعة الصور بنفس الطبيعة من تلك الدول المستهدفة. أولاً، لأن التكنولوجيا ورأس المال ونطاق تمثيل الصور الفائقة الواقعية عن إيران أوسع من أن يمكن مواجهته بشكل شامل. ثانياً، لأن مشكلة تعريف هوية وطنية موحدة لتقديم صورة حقيقية لإيران كانت دائماً قضية مثيرة للجدل في الداخل.
نقطة أخرى هي أنه بالتزامن مع إيجاد حلول لمواجهة الوقائع الفائقة التي يصنعها الغرب، يجب على الجهاز الدبلوماسي أن يفكر في حل لمواجهة الوقائع الفائقة التي تنشأ في مجال السياسة الخارجية نتيجة للمنافسات والخلافات السياسية الداخلية. يمكن ذكر العديد من الأمثلة على هذه الحالات ولا داعي لسردها. يمكن لهذه التحديات أن تخلق مخاطر كبيرة في السياسة الخارجية وتجعل الجهاز الدبلوماسي للبلاد منشغلاً بأنواع لا حصر لها من الانشغالات غير المثمرة. لهذا السبب، من المهم فهمنا وإدراكنا لهذه الوقائع الفائقة.
على الرغم من ملاحظة آثار هيمنة الوقائع الفائقة في إيران على النحو المذكور أعلاه، فلا شك أن المجتمع الإيراني اليوم لا يزال على مسافة (وإن كانت صغيرة) من الوصول إلى مثل هذا الوضع. والضرر الرئيسي ينبع من قبول وإعادة إنتاج الوقائع الفائقة الغربية المهددة ضد إيران في الداخل، والحسابات الخاطئة تجاهها، وهو ما يجب التفكير في علاجه ومنع انزلاق الدبلوماسية والسياسة الخارجية أكثر في هاوية الوقائع الفائقة التي تشكلت ضد إيران.
محمد جواد شريعتي، خبير أول في مركز الدراسات السياسية والدولية
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"
---------------------------------------------------------------------------
[1] Hyperreality (الواقع الفائق): يُعرف أيضاً بـ"الواقع المفرط". يكمن مفهوم الواقع الفائق في قلب العديد من الظواهر التي شاعت في السنوات الأخيرة، بما في ذلك: الذكاء الاصطناعي، والتزييف العميق (Deepfake)، وما بعد الحقيقة (Post-Truth)، الذي اختاره قاموس أكسفورد كلمة العام في 2016، ويعني الظروف التي تكون فيها الحقائق الموضوعية أقل تأثيراً في تشكيل الرأي العام من المشاعر والمعتقدات الشخصية.
[2] Jean Baudrillard (جان بودريار): عالم اجتماع فرنسي ومنظر ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية. يعتقد أن "حرب الخليج لم تقع"، واستلهم صانعو فيلم "ماتريكس" (The Matrix) أفكاره.
[3] Metaverse (الميتافيرس): عالم افتراضي ثلاثي الأبعاد وغامر يمكن للمستخدمين التفاعل فيه باستخدام صورهم الرمزية الرقمية (Avatars).
[4] Simulation (المحاكاة)
[5] Signs (العلامات)
[6] Crisis of Trust (أزمة الثقة)
[7] Death of Reality (موت الواقع)
[8] Narrative Warfare (حرب السرديات)
[9] Deconstruction Theory (نظرية التفكيكية)
[10] Accountability Erosion (تآكل المساءلة)
[11] Decline of Traditional Diplomacy (انهيار الدبلوماسية التقليدية)
[12] Track I Diplomacy (دبلوماسية المسار الأول)
[13] Virtuous War (الحرب الفاضلة)
[14] Hyperreality Imperialism (إمبريالية الواقع الفائق)
[15] Orientalism (الاستشراق)
[16] Digital Silk Road (طريق الحرير الرقمي): مبادرة صينية تهدف إلى تطوير البنية التحتية الرقمية وتقنيات المعلومات في جميع أنحاء العالم، خاصة في البلدان النامية. وهي جزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية وتشمل إنشاء شبكات الألياف الضوئية، والكابلات البحرية، ومراكز البيانات، وغيرها من التقنيات الرقمية. الهدف السياسي للصين من هذه المبادرة هو تعزيز العلاقات مع مختلف البلدان، وزيادة نفوذ الصين في مجال التكنولوجيا، والتنافس مع القوى العالمية الأخرى في الساحة التكنولوجية.
[17] من الآثار السلبية لانتشار الواقع الفائق في المجتمعات هو تحول السياسيين إلى "علامات تجارية" (Brands) بفضل الإعلام والمحاكاة. شهدنا هذا التجسيد الإعلامي للشخصية في مثال دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية عام 2016. يجادل بودريار بأن سياسيي اليوم هم "سيمولاكرا" (Simulacrum) (صُنَعيّات، محاكاة، مظاهر كاذبة، أقنعة أو صور رمزية)، وهي صور لا علاقة لها بالواقع. بالاعتماد على شخصية الثري الحاسم في برامج تلفزيون الواقع مثل "The Apprentice"، بنى ترامب صورة تجاوزت واقع حياته المهنية. كان الواقع الفائق لهذا الموضوع هو الدعم الشعبي الذي لم يتشكل على أساس برامج سياسية، بل على صورته الإعلامية. حتى تصريحاته الكاذبة والأخبار المزيفة قُبلت كجزء من هذا الواقع التمثيلي.