مناورة مودي للمقاومة بين موسكو وواشنطن

في ظل مواجهة الساحة العالمية لتحولات هامة مثل أزمات غزة وأوكرانيا، والسلام في القوقاز، ولقاء ترامب وبوتين، تتشكل أيضًا فرص جديدة. فمن الحقائق الثابتة أن الأزمات تخلق دائمًا فرصًا لبعض الدول؛ وكما شهدنا في حرب أوكرانيا، حصدت دول مثل الصين والهند وتركيا منافع جمة من خلال تبني نهج متوازن.
18 صفر 1447
علی‏ بمان اقبالی زارتش

في ظل مواجهة الساحة العالمية لتحولات هامة مثل أزمات غزة وأوكرانيا، والسلام في القوقاز، ولقاء ترامب وبوتين، تتشكل أيضًا فرص جديدة. فمن الحقائق الثابتة أن الأزمات تخلق دائمًا فرصًا لبعض الدول؛ وكما شهدنا في حرب أوكرانيا، حصدت دول مثل الصين والهند وتركيا منافع جمة من خلال تبني نهج متوازن.

ويُعد النموذج الهندي مثالًا بارزًا على هذا النهج. فقد تمكنت الهند، من خلال استغلال العقوبات الغربية ضد روسيا وشراء الطاقة بأسعار زهيدة، من رفع حجم تجارتها مع موسكو من 13 مليار دولار في عام 2021 إلى 60 مليار دولار في عام 2024. هذه القفزة الهائلة جعلت روسيا رابع أكبر شريك تجاري للهند.

تؤكد الحالة الهندية على مبدأ أن الدبلوماسية الذكية والقائمة على المصلحة يمكن أن تخلق فرصًا استثنائية من رحم الأزمات الدولية.

في أعقاب إعلان عقوبات جديدة ضد روسيا وزيادة التعريفات الجمركية على السلع الهندية من قبل إدارة ترامب، جاء رد فعل رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، سريعًا. حيث أجرى يوم الجمعة الماضي اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأعرب عن رغبته في استضافته في وقت لاحق من هذا العام. وبعد المحادثة، كتب مودي على وسائل التواصل الاجتماعي: «أجريت محادثة جيدة ومفصلة مع صديقي الرئيس بوتين، وأشكره على المعلومات التي شاركها بشأن أوكرانيا».

يأتي هذا التحرك الدبلوماسي الهندي ردًا على مضاعفة التعريفات الجمركية على صادرات البلاد إلى الولايات المتحدة، والتي وصلت الآن إلى 50%. وقد برر دونالد ترامب هذا القرار باستيراد الهند للنفط من روسيا، متهمًا موسكو بتمويل الحرب ضد أوكرانيا. ويأتي هذا في حين أن استيراد الطاقة الرخيصة من روسيا قد وفر مليارات الدولارات للاقتصاد الهندي وساهم في استقرار أسعار الوقود في السوق المحلية.

يمكن تحليل هذه الأحداث في سياق العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين دلهي وموسكو. فقد كانت العلاقات بين البلدين وثيقة منذ الحقبة السوفيتية، ولا تزال روسيا حاليًا أحد الموردين الرئيسيين للأسلحة للجيش الهندي.

مع التغير الجذري في أولويات السياسة الخارجية الروسية بعد أزمة أوكرانيا، أولت موسكو اهتمامًا خاصًا بقضايا مثل تعزيز قدرة ودور مجموعة بريكس الاقتصادية بقيادة القوى الاقتصادية الناشئة، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ورابطة الدول المستقلة (CIS)، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، وغيرها من المنظمات الدولية. كما تم التركيز على آليات تشاركية بمساهمة روسية فاعلة، ودعم التكامل الإقليمي في إطار مؤسسات متعددة الأطراف صديقة، مع تبني نهج الحوار والتحرك الفاعل في مناطق آسيا والمحيط الهادئ، وأمريكا اللاتينية، وأفريقيا، والشرق الأوسط.

في هذا السياق، تواصل روسيا، بهدف زيادة وتوسيع التفاعلات في جميع المجالات على أساس المنفعة المتبادلة، بناء شراكة استراتيجية مميزة مع جمهورية الهند، مع إيلاء اهتمام خاص لزيادة حجم التبادل التجاري والاستثمار المشترك في مجال التكنولوجيا. وفي الوقت نفسه، فإن ضمان صمود دلهي في وجه الإجراءات التخريبية من قبل الدول غير الصديقة والمؤسسات المرتبطة بها يقع ضمن أجندة موسكو.

على الرغم من الضغوط التجارية المتزايدة من جانب الولايات المتحدة التي تحاول إجبار دلهي على تقليص علاقاتها مع موسكو، أكدت الهند أنها ستستضيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. جاء هذا الإعلان بعد وقت قصير من فرض دونالد ترامب موجة جديدة من التعريفات على الواردات الهندية ردًا على شرائها للنفط الروسي. ويعتبر الكرملين العلاقة مع الهند استراتيجية ومميزة.

وقال مستشار الأمن القومي الهندي، أجيت دوفال، يوم الخميس خلال زيارة لموسكو، في خضم الضغوط التجارية المتزايدة من الولايات المتحدة: «من المقرر أن يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الهند». وأكد المسؤول الهندي أن زيارة بوتين قد تم الاتفاق عليها، لكن لم يتم تحديد موعدها بعد، رغم أنها قد تتم في أواخر شهر أغسطس. وأضاف مستشار الأمن القومي الهندي: «نحن متحمسون وسعداء جدًا لسماع نبأ زيارة فخامة الرئيس الروسي بوتين إلى الهند».

من جانبها، دعمت روسيا دائمًا مواقف الهند. ففي موسكو، وصفت الحكومة الروسية تصريحات ترامب الأخيرة بأنها «محاولة فجة» للضغط على شريك استراتيجي لروسيا. ووفقًا للكرملين، فإن الإجراءات التي أعلنتها الولايات المتحدة تهدف إلى معاقبة الهند على دفاعها عن استقلالها في مجال الطاقة، ولا علاقة حقيقية لها بأوكرانيا.

كما دافعت روسيا عن شراكتها الاستراتيجية مع الهند. وفي هذا السياق، قال سكرتير مجلس الأمن الروسي، سيرغي شويغو، خلال لقائه بمستشار الأمن القومي الهندي: «ترتبط روسيا والهند بروابط صداقة قوية صمدت أمام اختبار الزمن. وبالنسبة لبلدنا، فإن تعزيز الشراكة الاستراتيجية المميزة والخاصة مع الهند يمثل أولوية». كما أكد أن روسيا عازمة على مواصلة التعاون الفعال بهدف إقامة نظام عالمي جديد أكثر عدلًا واستدامة، وضمان سيادة القانون الدولي، والمكافحة المشتركة للتحديات والتهديدات المعاصرة. وأضاف أن أساس الحوار القائم على الثقة بين البلدين هو الاتصالات المنتظمة بين الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء ناريندرا مودي.

من ناحية أخرى، تتهم الهند الغرب بـالنفاق. ففي وقت سابق، اتهمت الهند الدول الغربية التي انتقدت علاقاتها التجارية الكبيرة مع روسيا بالنفاق، مذكّرة إياها بعلاقاتها التجارية الخاصة مع روسيا، التي لا يزال الغرب يشتري منها منتجات مثل الغاز الطبيعي أو اليورانيوم.

بعد الصين، تعد الهند ثاني أكبر مشترٍ للنفط الروسي. في العام الماضي، شكّلت واردات النفط الهندي من روسيا حوالي 36% من إجمالي وارداتها، وهو ما يمثل زيادة كبيرة مقارنة بنسبة 2% تقريبًا في السنوات التي سبقت حرب أوكرانيا. وذلك لأن العقوبات الغربية على روسيا، وخاصة سقف الأسعار المفروض على النفط الروسي تحت سعر السوق، جعلت هذا المنتج أكثر جاذبية للشركات الهندية، مما أدى إلى توفير مليارات الدولارات.

علي بمان إقبالي زارتش، رئيس قسم دراسات أوراسيا

  "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است