دور النظام التعليمي الإسرائيلي في تنفيذ الإبادة الجماعية للفلسطينيين

منذ تاريخ ۷ أكتوبر ۲۰۲۳، يتعرض قطاع غزة لهجمات واسعة النطاق ومستمرة من قبل الجيش الإسرائيلي. تشير التقديرات إلى أن عدد الضحايا قد تجاوز ۶۰ ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال. في هذه الهجمات، تم تدمير البنية التحتية الحيوية والخدمات العامة والمرافق الصحية بالكامل. بالإضافة إلى ذلك، يواجه سكان غزة مجاعة منظمة، ونزوحًا واسع النطاق، وحصارًا كاملاً لمنع وصول المساعدات الإنسانية.
23 صفر 1447
رویت 52
إلهه سادات موسوي نجاد

منذ تاريخ 7 أكتوبر 2023، يتعرض قطاع غزة لهجمات واسعة النطاق ومستمرة من قبل الجيش الإسرائيلي. تشير التقديرات إلى أن عدد الضحايا قد تجاوز 60 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال. في هذه الهجمات، تم تدمير البنية التحتية الحيوية والخدمات العامة والمرافق الصحية بالكامل. بالإضافة إلى ذلك، يواجه سكان غزة مجاعة منظمة، ونزوحًا واسع النطاق، وحصارًا كاملاً لمنع وصول المساعدات الإنسانية.

ردًا على هذه الأزمة، تحركت الهيئات القانونية الدولية. فقد قدمت حكومة جنوب أفريقيا شكوى رسمية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" أمام محكمة العدل الدولية. كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم حرب واستخدام التجويع كسلاح.

هذا التوجه لا يقتصر على المؤسسات الدولية؛ فحتى منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية مثل "بتسيلم" و"أطباء من أجل حقوق الإنسان" وصفت سياسات إسرائيل صراحةً بأنها "محاولة لإبادة جماعية منظمة". ويرى العديد من الباحثين البارزين في القانون الدولي أن التدمير المنهجي للبنية التحتية، والتشريد الواسع النطاق، والتصريحات التحريضية للمسؤولين الإسرائيليين، توفر أدلة كافية لإثبات نية الإبادة الجماعية.

 1.لماذا يُعتبر ما يحدث في غزة إبادة جماعية؟

تعرّف الاتفاقية الدولية لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (1948) هذه الجريمة بأنها أي عمل يُرتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية.

الأدلة المتوفرة في غزة، بما في ذلك منع إرسال الغذاء والدواء، واستهداف المستشفيات والمدارس، وتصريحات المسؤولين الرسميين بشأن العقاب الجماعي، يمكن أن تشير جميعها إلى وجود مثل هذه النية. وتستند الشكوى الرسمية التي قدمتها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية تحديدًا إلى هذه النقاط، مثل القتل العمد للمدنيين، وفرض ظروف معيشية لا تطاق بهدف التدمير الجسدي، ومحاولة القضاء على الهوية الوطنية للفلسطينيين. وقد تم تأكيد هذا التحليل من خلال تقارير إعلامية ومنظمات دولية عديدة.

 2.الرأي العام الإسرائيلي: القبول المجتمعي للإبادة الجماعية

تظهر العديد من استطلاعات الرأي الموثوقة أن جزءًا كبيرًا من المجتمع اليهودي الصهيوني في إسرائيل يؤيد إجراءات الجيش في غزة. فقد أظهر استطلاع أجراه معهد إسرائيل للديمقراطية في ديسمبر 2023 أن 87% من اليهود الصهاينة الإسرائيليين يؤيدون الحرب، وعارض 75% منهم تقليل شدة القصف على المناطق السكنية. وتشير استطلاعات أخرى إلى أن 82% من المواطنين اليهود الصهاينة الإسرائيليين يوافقون على التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، وأن ما يقرب من نصفهم، بالإشارة إلى قصص توراتية مثل تدمير مدينة أريحا، يطالبون بالإبادة الكاملة لسكان غزة.

تُظهر هذه الإحصاءات أن أغلبية كبيرة من اليهود الصهاينة الإسرائيليين، في الواقع، يؤيدون سياسات مثل قتل النساء والأطفال دون أي شعور بالتردد الأخلاقي. السؤال الرئيسي هنا هو: ما هي جذور هذه العقلية؟

 الجواب يكمن في التعليم: بناء عقلية عسكرية وإقصائية منذ الطفولة

كما سنستعرض، فإن النظام التعليمي الرسمي وغير الرسمي في إسرائيل، من المدارس الحكومية إلى التعاليم الدينية والمؤسسات الأمنية، يشكل الأسس الفكرية والثقافية لمثل هذه العقلية منذ الطفولة.

أ. تعليم الهولوكوست ونقل الصدمة التاريخية

منذ سن مبكرة، يُلزم الأطفال الإسرائيليون بزيارة متاحف الهولوكوست (بما في ذلك "ياد فاشيم"). ورغم أن هذه البرامج التعليمية مصممة ظاهريًا للحفاظ على ذكرى الضحايا، إلا أنها عمليًا تشكل الهوية الوطنية حول صدمة "كونهم ضحايا". والنتيجة هي تعزيز نظرة تعتبر الجيران العرب تهديدًا وجوديًا، وبالتالي تجعل الدفاع المميت مبررًا.

ب. فكرة "الشعب المختار" والروايات الدينية

في النصوص التعليمية الدينية، يحتل مفهوم "الشعب المختار" مكانة محورية. فالروايات من الكتاب المقدس حول غزو الأراضي، وإبادة الأعداء، والوعود الإلهية لبني إسرائيل، تُروى للأطفال كقصص بطولية. هذه التعاليم تمهد الطريق للتفوق العرقي وتجاهل إنسانية الشعوب الأخرى.

ج. العسكرة من المدرسة إلى الموساد

تُعد البرامج التابعة لوحدة الاستخبارات 8200 والتواصل المبكر للموساد مع المراهقين جزءًا من هيكل مؤسسي يجعل "الواجب الأمني" جزءًا من الهوية الاجتماعية منذ سن مبكرة. ينشأ الأطفال الإسرائيليون على عقلية "نحن دائمًا في حالة حرب" والفلسطينيون هم العدو الأبدي.

د. نزع الإنسانية عن غير اليهود

في بعض التيارات اليهودية المتطرفة، تنتشر معتقدات تصف الشعوب الأخرى بأنها "حيوانات خلقها الله على هيئة بشر من أجل اليهود"، أو أن "الأمم الأخرى خُلقت لخدمة اليهود". ورغم أن هذه الآراء ليست رسمية، إلا أنها تنعكس، ضمنيًا أو صراحةً، في بعض المدارس الدينية، وتترك أثرها في اللاوعي الجمعي.

 4. أدلة داعمة من الدراسات الأكاديمية والوثائق الرسمية

تُظهر الأبحاث التي أُجريت على محتوى المناهج الدراسية في إسرائيل أن تركيز تعليم الهولوكوست ينصب على كونهم "ضحية جماعية"، وليس على خلق تعاطف عالمي أو قبول الآخر. كما تُظهر الدراسات الاجتماعية على المجتمعات الصهيونية الدينية الدور البارز لمفهوم "أرض الميعاد" والشرعية الإلهية للاستعمار. وتوجد تقارير موثقة عن برامج تجنيد الشباب من قبل الموساد وتعاون المدارس مع الوحدة 8200. كما أشارت منظمات حقوق الإنسان مرارًا إلى استخدام لغة مهينة تجاه الفلسطينيين في خطابات بعض المسؤولين السياسيين.

 كلمة أخيرة

إن الكارثة الإنسانية في غزة، التي يعتبرها الكثيرون مثالًا صارخًا على الإبادة الجماعية، ليست مجرد نتاج للسياسات الرسمية الإسرائيلية، بل إنها متجذرة في القبول العام لمجتمعها. تُظهر استطلاعات الرأي بوضوح أن غالبية المجتمع اليهودي في إسرائيل يؤيدون إجراءات مثل فرض المجاعة، والقصف المتواصل، وتهجير الفلسطينيين.

هذه الحقيقة توجه تحليلنا من التركيز فقط على السياسيين إلى دراسة الجذور الثقافية والتربوية والذهنية الأعمق. تجادل هذه المقالة بأن الهوية الوطنية في إسرائيل تتشكل منذ الطفولة على عدة أسس رئيسية: الشعور بالضحية التاريخية، والإيمان بالتفوق العرقي، والاستعداد الدائم للحرب، ونزع الإنسانية عن العدو.

في مثل هذا السياق، فإن ظاهرة «أطفال يقتلون أطفالًا» ليست حدثًا عارضًا في ساحة المعركة، بل هي انعكاس لعقلية متجذرة. عقلية يُعاد إنتاجها جيلًا بعد جيل، وتصور العنف ليس كمأساة، بل كضرورة أخلاقية.

إلهه سادات موسوي نجاد، خبيرة في مركز الدراسات السياسية والدولية

   "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است