غرب البلقان وحلم التكامل الأوروبي الطويل؛ بروكسل قلقة من النفوذ الروسي

تواجه أوروبا اليوم، ولا سيما مناطقها الوسطى والشرقية، أزمات متعددة، من أهمها تداعيات الحرب في أوكرانيا والزيادة المطردة في الهجرة غير الشرعية. ويتمثل أحد التحديات الأساسية والجذرية في التفاوت الاقتصادي الشديد والتوزيع غير العادل للثروة، وهو ما تؤكده الأدلة الميدانية والإحصاءات: إذ يصل الفارق في متوسط دخل الفرد بين الدول الأوروبية إلى عشرين ضعفاً؛ حيث تقف دول الشمال ودول أوروبا الغربية التي يصل متوسط دخل الفرد فيها إلى ۴۰ ألف يورو سنوياً، في تناقض صارخ مع دول مثل ألبانيا ومولدوفا التي قد لا يتجاوز دخل الفرد فيها ۴ آلاف يورو.
22 ربيع الأول 1447
رویت 69
علی‏ بمان اقبالی زارتش

تواجه أوروبا اليوم، ولا سيما مناطقها الوسطى والشرقية، أزمات متعددة، من أهمها تداعيات الحرب في أوكرانيا والزيادة المطردة في الهجرة غير الشرعية. ويتمثل أحد التحديات الأساسية والجذرية في التفاوت الاقتصادي الشديد والتوزيع غير العادل للثروة، وهو ما تؤكده الأدلة الميدانية والإحصاءات: إذ يصل الفارق في متوسط دخل الفرد بين الدول الأوروبية إلى عشرين ضعفاً؛ حيث تقف دول الشمال ودول أوروبا الغربية التي يصل متوسط دخل الفرد فيها إلى 40 ألف يورو سنوياً، في تناقض صارخ مع دول مثل ألبانيا ومولدوفا التي قد لا يتجاوز دخل الفرد فيها 4 آلاف يورو. وتتمثل مشكلة أخرى في الإرث الذي لا يمكن إصلاحه للأخطاء التاريخية؛ فالتقسيمات الجغرافية غير المألوفة التي تشكلت بعد حربين عالميتين في القرن العشرين، دون مراعاة القواسم المشتركة العرقية والإثنية والقومية والدينية، هيأت دائماً أرضية للقوى الكبرى الانتهازية لتحقيق أهدافها الخفية والمعلنة. في غضون ذلك، تنتظر دول غرب البلقان تحقيق وعود بروكسل بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ليس فقط لتسهيل الوصول إلى غرب القارة، بل أيضاً للخروج جزئياً من المخاوف الأمنية والجيوسياسية القائمة.


ركز اجتماع قادة دول غرب البلقان الست والاتحاد الأوروبي الذي عُقد يوم الأربعاء (الثالث من سبتمبر) في بروكسل، على عدة محاور رئيسية: تطبيع العلاقات بين كوسوفو وصربيا، والعقوبات المفروضة على روسيا ومواجهة تداعيات الحرب في أوكرانيا، ومستقبل غرب البلقان الأوروبي.


وقد أعلن كبار المسؤولين الأوروبيين أن الهدف من هذه المحادثات هو تعميق المشاركة السياسية مع دول المنطقة، وتسريع التكامل التدريجي مع الاتحاد الأوروبي، وإرساء أساس اقتصادي للمستقبل، والحد من تأثير العدوان الروسي، وتعزيز أمن المنطقة وصمودها.


في ختام الاجتماع، تم اعتماد بيان مشترك يؤكد على ضرورة استقرار المنطقة وأهمية تطبيع العلاقات بين كوسوفو وصربيا. وأعرب البيان عن دعمه لجهود الممثل السامي والممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في المفاوضات بين بلغراد وبريشتينا، وتطلعه إلى مشاركة بناءة من الطرفين لتحقيق تقدم سريع في تطبيع العلاقات. ويعد هذا التقدم حيوياً لأمن واستقرار المنطقة بأسرها وضمان المسار الأوروبي لكلا الجانبين.


بالإضافة إلى ذلك، دُعيت كوسوفو وصربيا إلى التنفيذ الكامل لاتفاقية بروكسل واتفاقية أوخريد (مقدونيا الشمالية) التي تم التوصل إليها في وقت سابق من هذا العام، وكذلك جميع الاتفاقيات السابقة، دون تأخير أو شروط مسبقة.


كما دعا البيان المشترك إلى خفض التوترات في شمال كوسوفو، بما يتماشى مع متطلبات الاتحاد الأوروبي، وحث الطرفين على الامتناع عن الإجراءات الأحادية وغير المنسقة التي يمكن أن تؤجج أعمال عنف جديدة. وفي الوقت نفسه، طُلب منهما تجنب الخطاب الذي لا يتوافق مع تطبيع العلاقات.


بشكل عام، شدد الاتحاد الأوروبي على أهمية تعزيز علاقات حسن الجوار، والتوصل إلى حلول مستدامة للنزاعات الثنائية والقضايا المتجذرة في إرث الماضي، وضمان حقوق الأقليات والمعاملة المتساوية لها. من منظور بروكسل، ونظراً للعدوان الروسي على أوكرانيا والتحديات الأمنية الأخرى، فإن الوقوف إلى جانب الاتحاد الأوروبي، أكثر من أي وقت مضى، يعد علامة واضحة على التوجه الاستراتيجي لشركاء المنطقة.


وفي هذا السياق، دعا رؤساء اللجان البرلمانية للعلاقات الدولية في 12 دولة أوروبية، عبر بيان مشترك، الاتحاد الأوروبي إلى رفع الإجراءات التقييدية المفروضة على كوسوفو والتحقيق في الهجوم على شرطة كوسوفو في الشمال في 24 سبتمبر. هذا البيان، الذي وقعه رؤساء لجان من بريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، وليتوانيا، ولاتفيا، وإستونيا، وكرواتيا، وجمهورية التشيك، وأيرلندا، وبلجيكا، وبلغاريا، والدنمارك، صدر عشية اجتماع الاتحاد الأوروبي ودول غرب البلقان. والأمر المهم هو أن الهجوم على شرطة كوسوفو من قبل ثلاثين مسلحاً في قرية بانجسكا ببلدية زفيتشان، بقيادة ميلان رادويتشيتش، النائب السابق لرئيس القائمة الصربية، في 24 سبتمبر، يمثل تصعيداً كبيراً للوضع. ولولا مهارة وشجاعة شرطة كوسوفو، لكان من الممكن أن يتطور هذا الوضع إلى تصعيد أوسع نطاقاً.


من ناحية، يولي الاتحاد الأوروبي اهتماماً خاصاً للاستثمار في التعددية والتعاون مع الشركاء لحماية ودعم النظام الدولي، ويسعى إلى رؤية مشتركة للمستقبل تشمل القيم والمسؤوليات المشتركة. ومن ناحية أخرى، ومع تعميق تعاونه مع الشركاء، يطالبهم بتحقيق تقدم سريع ومستدام نحو التوافق الكامل مع السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الإجراءات التقييدية، والعمل وفقاً لذلك. كما يثني على الدول التي تظهر توافقاً كاملاً مع سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية والتزامها الاستراتيجي، لا سيما في قضية العقوبات على روسيا. حالياً، صربيا هي الدولة الوحيدة في غرب البلقان التي لم تنضم إلى العقوبات ضد روسيا. ويعود ذلك إلى دعم الكرملين لمطالب بلغراد بشأن كوسوفو. وبشكل عام، تشعر بروكسل بالقلق من تصاعد الأنشطة والنفوذ الروسي في غرب البلقان، خاصة في صربيا والبوسنة، وتؤكد أنه في ظل البيئة الجيواستراتيجية المعقدة بشكل متزايد، وفي ظل الصراع الروسي الأوكراني وتأثير أزمة الشرق الأوسط، لا يزال أمن أوروبا يواجه تهديداً، ومن ثم تشدد على أهمية الوحدة في الأسرة الأوروبية والشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ومنطقة غرب البلقان.
في المجمل، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يؤكد باستمرار على التزامه الكامل والواضح بآفاق عضوية دول غرب البلقان في الاتحاد الأوروبي ويدعو إلى تسريع عملية الانضمام، على أساس الإصلاحات الموثوقة ومبدأ الجدارة، وهو ما يصب في المصلحة المتبادلة، ويعترف بأن توسع الاتحاد الأوروبي هو استثمار جيواستراتيجي في السلام والأمن والاستقرار والتقدم؛ إلا أن عملية عضوية دول غرب البلقان في الواقع وقعت أسيرة لسياسات المماطلة، ومنذ عام 2005، لم تسفر مفاوضات وجهود دول مثل ألبانيا ومقدونيا وصربيا والبوسنة والجبل الأسود وغيرها عن عضوية في الاتحاد الأوروبي. على أي حال، لا تزال آثار الجروح القديمة والعداوات العرقية والدينية في هذه المنطقة تؤثر على الوضع السياسي والاجتماعي، وكانت دائماً أداة لتمهيد الطريق لتدخلات القوى الخارجية وتنافسها؛ وفي الوقت نفسه، ومن بين الدول المجاورة، تعمل تركيا على تعميق نفوذها ونطاق أنشطتها الشاملة في غرب البلقان من خلال خطة واضحة ومتماسكة.


علي بمان إقبالي زارتش، رئيس مجموعة الدراسات الأوراسية

  إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است