في العلوم السلوكية، غالبًا ما يرتبط موضوع الاندفاعية في الكلام، المعروف باسم "الاندفاعية اللفظية" (Verbal Impulsivity)، بالحالة الوظيفية للمرضى المصابين باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)، ويشير إلى الحالة التي يميل فيها الفرد إلى التحدث دون تفكير مسبق، أو الاختيار غير المناسب للكلمات، أو عدم مراعاة العواقب. حيث قد يقوم الأفراد بفعل أو قول شيء ما فجأة دون تروٍ ودون التفكير في النتائج. من الناحية النفسية، يمكن أن يكون للاندفاعية في القول والفعل آثار سلبية متعددة على البيئة الاجتماعية وعلاقات الأفراد، بما في ذلك زيادة الشعور بالندم، والإضرار بالعلاقات الاجتماعية (مثل خلق سوء تفاهم، أو تحيزات غير ضرورية، أو صراعات)، وحتى التأثير على الصحة العقلية العامة للفرد، مثل زيادة القلق أو الاكتئاب، لأن الفرد قد يفكر في العواقب بعد الفعل ويشعر بالذنب أو الندم.
كما يمكن أن تؤدي، في الحالات الشديدة، إلى مشكلات في وظائف الدماغ مثل اضطراب التنظيم الانفعالي، وهو ما يشبه آثار الإساءة اللفظية ويكون الفرد نفسه هو مصدرها. تُظهر دراسات علماء السلوك أن الاندفاعية ترتبط بضعف الأداء في اتخاذ القرار السلوكي. على سبيل المثال، في ظروف التوتر أو ضغط الوقت، قد يقدم الأفراد الاندفاعيون استجابات أسرع، ولكن من المؤكد أن هذه الاستجابات ستكون أقل دقة وتترتب عليها تبعات لا يمكن إصلاحها.
ولكن لماذا ترتبط الاندفاعية في القول والفعل في السياسة، بهذه المسألة المتعلقة بالعلوم السلوكية وعلم النفس؟ الحقيقة هي أن الرأي العام، سواء على المستوى الدولي أو في البيئة الداخلية، معرض دائمًا لمثل هذا القول والفعل الاندفاعي. كلما اتخذ النظام الدولي طابعًا صراعيًا وزادت التوترات في المجتمعات وتفاقمت الأزمات، زاد خطر الفعل الاندفاعي بين السياسيين. بالطبع، هناك أسباب أخرى سيتم الإشارة إليها لاحقًا. إن مواجهة الأزمات وهيمنة الأجواء الانفعالية تجعل الاندفاعية اللفظية في السياسة تحديًا لعملية صنع القرار. الاندفاعية (خاصة نوعها الانفعالي) غالبًا ما تعطل عملية صنع القرار، لأن الفرد يميل إلى التصرف دون تقييم كامل للخيارات أو دراسة العواقب طويلة الأجل، ويعبر عن ذلك علانية. يمكن أن يؤدي هذا إلى اتخاذ قرارات عالية المخاطر.
بطبيعة الحال، يمكن للسياسيين، مثل أي فرد آخر، أن يتصرفوا ويتحدثوا باندفاع أو تسرع تحت تأثير العوامل النفسية والاجتماعية والمكانة الهيكلية. يعتقد علماء النفس ومتخصصو العلوم السلوكية أن هذا السلوك غالبًا ما يكون نتيجة لمزيج من الخصائص الشخصية، والضغوط البيئية، والدوافع السياسية. بناءً على الدراسات النفسية والسياسية، يمكن أن تُعزى الاندفاعية لدى السياسيين إلى خصائص مثل النرجسية أو الاعتلال النفسي (Psychopathy)، مما يدفعهم إلى اتخاذ قرارات اندفاعية. غالبًا ما ترتبط هذه الخصائص أيضًا بالرغبة في المشاركة في الفضاء العام للسياسة، لأن السياسة ساحة لاكتساب القوة وتوفر جذبًا مرغوبًا للانتباه. على سبيل المثال، قد يُظهر الأفراد النرجسيون ردود فعل عاطفية دون تقييم العواقب، للحفاظ على هويتهم الشخصية والجماعية.
في عالمنا الحديث اليوم، مع التدفق الإخباري على مدار 24 ساعة في وسائل الإعلام، يمكن للسياسيين في كثير من الأحيان أن يتصرفوا باندفاع لجذب الانتباه أو الاستجابة السريعة للأزمات. يمكن أن ينبع هذا من قوة الإعلام الواسعة، أو رفع الأصوات في استطلاعات الرأي العام، أو الحاجة إلى تحويل رواياتهم الشخصية عن حادثة أو حدث أو واقعة ما. على سبيل المثال، قد يُظهر السياسيون سلوكيات انفجارية وعدائية لكسب الشعبية (الإعجابات) أو المزيد من مشاركات المنشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، مما يجذب الانتباه ويكسبهم شعبية. ولكن على أي حال، يصنف متخصصو العلوم السلوكية هذه السلوكيات على أنها شبيهة بالسلوكيات الطفولية، ومن المؤسف أنه بينما يتم تشجيع مثل هذه السلوكيات من قبل المجموعات السياسية والأحزاب، فإنها قد تجلب أيضًا مكاسب شخصية للفرد عبر وسائل الإعلام في جذب الاهتمام العام والتصدر في العناوين الرئيسية.
كما أن التركيز على المصالح قصيرة الأجل في السياسة، مثل تجنب الإصلاحات طويلة الأجل بسبب الخوف من التكاليف الفورية، يزيد عادةً من الاندفاعية. لدى جميع السياسيين وصناع القرار مهام وجداول أعمال وطنية، والإحباط من تحقيقها يمكن أن يزيد من جوانب الاندفاعية في فعلهم وعملهم. في هذه الظروف، يغيرون مواقفهم ويحرفون الرأي العام باندفاعية لفظية وعملية عن وضعهم وأدائهم الوظيفي. لا تعتمد مثل هذه السلوكيات من السياسيين على الخصائص الفردية فحسب، بل على النظام السياسي أيضًا، حيث يمكن تشجيعها بمكافآت مثل زيادة الاهتمام الإعلامي. لتقليل هذا الضرر، من الضروري التركيز على العمليات التشاورية وتقييم مخاطر السلوك والقول.
الاندفاعية موجودة تمامًا على المستوى الكلي، مثل السياسات الحكومية أو القرارات العليا، وغالبًا ما توصف بأنها قرارات متسرعة أو "حوكمة بدون تفكير". تحدث هذه الظاهرة عندما يتصرف القادة أو صانعو السياسات، تحت ضغط انفعالي أو سياسي أو أيديولوجي، دون دراسة كاملة للعواقب طويلة الأجل للقرار، أو الأداء الناجح للخيارات البديلة، أو في ظل غياب البيانات الكافية، أو التجاهل للحقائق الميدانية. يمكن أن يكمن جذور هذا السلوك في الخصائص الشخصية للقادة (مثل الثقة المفرطة) أو وقوع ظروف أزمة، ولكنه عادةً ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة بدلاً من حل المشكلات.
غالبًا ما تكون الآثار السلبية للاندفاعية في صنع السياسات ذات عواقب وخيمة لا يمكن إصلاحها، ويجب على المديرين السياسيين التفكير في حلها. هذه الأضرار، التي لها نطاق وطني، يمكن أن تشمل: الأضرار الاقتصادية، وفقدان الأرواح والأمن، والإضرار بالعلاقات الدولية، وتشويه الصورة الدولية للبلاد، وعدم فعالية الحوكمة، والفشل.
عندما هاجم نابليون بونابرت روسيا بأكثر من 600 ألف جندي، دون تخطيط لوجستي دقيق، وبثقة مفرطة في سرعة النصر، ودون مراعاة للحقائق، وبناءً على قرار انفعالي وغير مدروس، فقد اتخذ قرارًا اندفاعيًا. حيث تم تجاهل تقارير الضباط حول المشكلات (مثل نقص المؤن) وتم استهداف مدن مثل موسكو دون استراتيجية خروج واضحة. كانت عواقب هذا القرار هزيمة كارثية لفرنسا بسبب البرد والمرض والنقص، مما قلص الجيش الفرنسي إلى أقل من 100 ألف جندي وساهم في سقوط نابليون.
أو عندما حدث هجوم هتلر على الاتحاد السوفيتي في عام 1941، بدأ هتلر عملية بربروسا، دون مراعاة لمعاهدة عدم الاعتداء مع ستالين وبتقدير ضعيف لقوة الجيش السوفيتي. لقد اتخذ قرارًا اندفاعيًا بسبب تجاهل التحديات اللوجستية (مثل شتاء روسيا) والتركيز على أيديولوجيته العنصرية والانفعالية. كانت عواقب هذا القرار: خسائر فادحة بلغت 150 ألف جندي سوفيتي في الأسبوع الأول و 3 ملايين أسير حتى أكتوبر، والعجز عن احتلال موسكو، وشكل نقطة تحول في الحرب العالمية الثانية أدت إلى هزيمة ألمانيا النازية وأودت بحياة الملايين. تُظهر هذه الأمثلة أن الاندفاعية على المستوى الكلي لا تخلق إخفاقات مؤقتة فحسب، بل يمكنها تغيير مسار التاريخ.
تُعد العمليات الداخلية المؤسسية والهيكلية في جهاز الدبلوماسية الإيراني أداة يمكن أن تمنع ظهور الاندفاعية في العلاقات الخارجية ودبلوماسية البلاد. في ظروف الأزمة بشكل خاص، كلما كانت هذه العمليات أقوى وأكثر مرونة وتحديثًا، كانت المواقف والقرارات أقوى وأكثر منطقية، والعكس صحيح، إذا كانت أضعف وأبطأ وأكثر انفعالية، يمكن أن تصاب القرارات والمواقف باضطراب الاندفاعية، حتى لو تم اتخاذها بشكل أسرع. إن هيمنة الأجواء الانفعالية الناتجة عن الأداء الصحفي، وبروز دور وسائل الإعلام الصفراء وشبه الصفراء، وهيمنة الفضاء الافتراضي فائق الواقعية، وخطاب جماعات النفوذ والضغط السياسي على الجهاز الدبلوماسي، يمكن أن تؤثر على الأداء الفعال لهذه العمليات وهياكل صنع القرار.
بنفس القدر، يمكن أن يكون لشيوع الاندفاعية اللفظية بين مؤسسات صنع القرار والمشرعين وصانعي السياسات أسباب مختلفة. ولكن دون أن نرغب في الحكم المسبق على كل هذه الأقوال، ومجرد استخلاص نقاط بناءً على الآثار الخارجية لمثل هذه المواقف، يمكن أن يكون لها في المجال الداخلي أسباب مختلفة، بما في ذلك: جذب الانتباه العام (إلى المتحدث، إلى الموضوع، إلى الآثار)، وربما تكون السلبية والمدمرة الأكبر بين الاندفاعات هي تلك الأقوال والمواقف التي لها تبعات اقتصادية لمجتمع بأكمله أو تبعات نفسية وأمنية لجمع كبير من سكان بلد ما.
عادةً ما يستخدم الدبلوماسيون البلاغة (الخطابة) كأداة لشرح مواقف وسياسة بلادهم والتفاعل مع جمهور أو بلد معين. يُستخدم هذا الوضع بشكل هادف ودقيق ولغرض محدد. على الرغم من أن استخدامه محدود وفي حالات الأزمات والقضايا في العلاقات الخارجية ويتم بشكل مدروس، إلا أن استخدامه المتكرر يشير إلى توتر خطير في الأمن والعلاقات الخارجية. ولكن في الظروف العادية في السياسة الخارجية، لا يمكن ولا ينبغي للاندفاعية أن تجد دافعًا أو أرضية للظهور، حتى لو كان استخدامها مقبولاً في الظاهر. من البديهي أنه مع توسع تقنيات الاتصال والعالم الرقمي والإعلام، لم تنكسر الحدود الداخلية والخارجية للممارسة السياسية في البلدان فحسب، بل أصبح لتصريحات وأفعال أصغر صانعي القرار والسياسيين والنخب السياسية آثار دولية واسعة، ولا يمكن الافتراض بأنه لأن المتحدث كان في تجمع صغير ومكان محدود وأدلى ببيان أو اتخذ موقفًا، فلن يكون له أي آثار دولية. لهذا السبب، لا يمكن أن نكون غير مبالين لمنع الآثار السلبية لمثل هذه السلوكيات على السياسة الخارجية، والتي يمكن أن يكون لها تبعات تاريخية لا يمكن إصلاحها وطويلة الأجل على مصير بلد ما.
تاريخ العالم مليء باندفاعية هؤلاء السياسيين الذين ألحقوا الضرر ببلدهم وشعبهم وأرضهم بسبب تصريحات غير مدروسة. إن التحريضات التي أدت في الحرب الإيرانية الروسية الثانية، بدافع الانتقام وبهدف مشروع لاستعادة الأراضي المفقودة من البلاد، إلى هزيمة أخرى وربع قرن من الهزيمة، هي كمرآة أمامنا.
ولكن ما العمل؟ بصرف النظر عن أن متخصصي العلوم السلوكية يوصون بتقنيات مثل "اليقظة الذهنية" (Mindfulness)، وممارسة التأمل قبل التحدث، أو المشورة النفسية لتقليل الاندفاعية قدر الإمكان وتحسين صنع القرار، فإذا كانت هذه السلوكيات مستمرة، فإنها تُعتبر نوعًا من الاضطراب النفسي وتتطلب علاجًا فوريًا.
على نطاق أوسع على المستوى الكلي والوطني، يجب معالجة هذا الاضطراب في الخطاب الرسمي باستمرار. إن طريق علاجه، بصرف النظر عن تحديد أساليب وتوجيهات مستمرة لليقظة الذهنية لصناع القرار والسياسيين في منع الاندفاعية القولية والفعلية في السياسة، يكمن في إيجاد عمليات مؤسسية وهيكلية للتشاور الضروري قبل الإدلاء بالتصريحات، والتبرير المسبق والمستمر لأصحاب المواقف والخطابات على المستوى الوطني.
محمد جواد شريعتي، خبير أول في مركز الدراسات السياسية والدولية
(مسؤولية محتوى المواد تقع على عاتق المؤلفين ولا تعبر عن آراء مركز الدراسات السياسية والدولية)