الاصطفاف المُوَجَّه لحرب عالمية ثالثة!؟

تشهد الساحة الدولية فترة انتقالية بالغة الصعوبة والتعقيد، من نظام القطب الواحد نحو التعددية القطبية، مع ملامح تتمثل في اشتداد وتعدد الأزمات بأنواعها، من أمريكا اللاتينية إلى القارة الآسيوية العريقة. ويواجه العالم، على الرغم من التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل والسريع، تناقضات شتى. علاوة على ذلك، ومن جهة، فإن قرار وزارة الحرب الأمريكية (البنتاغون) بعقد اجتماع لكبار قادة الجيش الأمريكي ولقائهم مع ترامب، يبشر بأحداث محتملة خطيرة في الجيوبوليتيك العالمي. ومن جهة أخرى، فإن استمرار القتل والمجازر المروعة في الشرق الأوسط، ومواصلة جرائم الكيان الصهيوني، يجعل ظروف السلام والاستقرار الإقليمي والدولي صعبة ومؤلمة للغاية.
8 ربيع الثاني 1447
علی‏ بمان اقبالی زارتش

تشهد الساحة الدولية فترة انتقالية بالغة الصعوبة والتعقيد، من نظام القطب الواحد نحو التعددية القطبية، مع ملامح تتمثل في اشتداد وتعدد الأزمات بأنواعها، من أمريكا اللاتينية إلى القارة الآسيوية العريقة. ويواجه العالم، على الرغم من التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل والسريع، تناقضات شتى. علاوة على ذلك، ومن جهة، فإن قرار وزارة الحرب الأمريكية (البنتاغون) بعقد اجتماع لكبار قادة الجيش الأمريكي ولقائهم مع ترامب، يبشر بأحداث محتملة خطيرة في الجيوبوليتيك العالمي. ومن جهة أخرى، فإن استمرار القتل والمجازر المروعة في الشرق الأوسط، ومواصلة جرائم الكيان الصهيوني، يجعل ظروف السلام والاستقرار الإقليمي والدولي صعبة ومؤلمة للغاية.


دخلت الحرب في الجغرافيا الأوكرانية مرحلة جديدة. وعلى الرغم من المعارك البرية العنيفة التي رافقتها خسائر فادحة للطرفين، والتي سيطرت خلالها روسيا على عدة قرى، إلا أن قرار ترامب بالسماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ بعيدة المدى يُعد تطوراً مهماً. تحدث الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أوائل هذا الأسبوع في خطابه عن المعلومات المنشورة في وسائل الإعلام الأمريكية حول قرار البيت الأبيض بالسماح لكييف باستخدام صواريخ "أتاكمز" (ATACMS) لضرب أهداف عسكرية، ووصف ذلك بأنه جزء من خطة لتعزيز أوكرانيا لتحقيق النصر، والتي قدمها لشركائه الأوروأطلسيين. ولا شك أن هذا الإذن سيلعب دوراً رئيسياً فيما يتعلق بالقدرات بعيدة المدى للجيش الأوكراني. كما أعلن عن جهود مضاعفة لإبرام صفقة شراء أسلحة متطورة بقيمة 90 مليار دولار من أمريكا.


لا شك أن سماح ترامب للجيش الأوكراني باستخدام صواريخ ATACMS الأبعد مدى، التي زودت بها واشنطن كييف، والتي ستُستخدم لاستهداف أهداف محددة داخل روسيا، سيؤدي إلى تغيير وتحول مهم في هذا الصراع المعقد. وهناك توقع بأن الهجمات الأولى قد تتجه نحو المنشآت الحيوية للبنية التحتية، خاصة في مجالي الطاقة واللوجستيات. كما نشرت أوكرانيا خريطة لعشرات المنشآت العسكرية الروسية الواقعة في مرمى صواريخ ATACMS، والتي تشمل مطارات ومنشآت للطاقة والأسلحة.


الأهم من ذلك، أنه من المحتمل أن تسمح أوروبا أيضاً لأوكرانيا باستهداف أهداف عسكرية داخل روسيا بصواريخ "ستورم شادو" (Storm Shadow) و"سكالب" (SCALP)، وهو أمر سيزيد الأوضاع تعقيداً. ويُعد هذا تغييراً استراتيجياً كبيراً يأتي بعد أسابيع قليلة من تغيير نهج دونالد ترامب تجاه روسيا والحرب الأوكرانية، بدعمه لهذه الدولة لاستعادة الأراضي المحتلة في الشرق. والأهم من ذلك، أن الضجيج المتعلق بدخول طائرات بدون طيار مجهولة إلى سماء دول مختلفة في "القارة العجوز" قد ترافق مع مواقف حادة من القادة الأوروبيين وضرورة الاستعداد الأقصى لمواجهة الجيش الروسي، والتأكيد المضاعف على استمرار الدعم للجيش الأوكراني.


شهدت موجات السجالات الروسية الأوروبية اتجاهاً تصاعدياً حاداً، وفي موسكو كانت ردود الفعل على هذا التطور سريعة وحادة. حيث يقول المسؤولون الروس إن الإذن الذي منحته واشنطن لكييف لاستخدام الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى لضرب روسيا، هو خطوة بالغة الأهمية نحو تصعيد التوترات وتوسيع جغرافية الحرب. وفي سياق ردود الفعل الروسية، جاء في بيان لوزارة الخارجية أن "مثل هذا الهجوم على الأراضي الروسية يعني التدخل المباشر للولايات المتحدة وتوابعها في الأعمال العدائية ضد روسيا".


كذلك، منذ بدء غزو أوكرانيا في فبراير 2022، وجه القادة الروس تحذيرات متكررة لرجال الدولة في حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، ووصفوا أي تعهد بالدعم العسكري من الحلفاء الغربيين لأوكرانيا بأنه تدخل مباشر في الحرب، مؤكدين على المساءلة والانتقام. وفي هذا السياق، رفع مدفيديف مستوى التهديد إلى إمكانية استخدام أسلحة غير تقليدية لاستهداف جغرافية الدول المعادية، وخاصة أوكرانيا.


وفي أوروبا أيضاً، كانت ردود الفعل متباينة؛ فقد رحبت بعض الحكومات، بينما اعتبرته حكومات أخرى مثل المجر وسلوفاكيا وصربيا خطيراً. أشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقرار الولايات المتحدة بالسماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ بعيدة المدى في روسيا ووصفه بـ "الجيد جداً"، وقال: "هذا قرار جيد تماماً، وأنا أدرك أنه ناتج أيضاً عن تغيير عميق في هذا الصراع لا ينبغي الاستهانة به". كما أيد المستشار الألماني ورئيس الوزراء البريطاني تغيير نهج البيت الأبيض. يأتي هذا في الوقت الذي لا يزال فيه ترامب يولي اهتماماً للنجاح في عملية السلام ووقف إطلاق النار، لذا طلب في لقائه المهم مع الرئيس التركي مواصلة مبادراته للتوصل إلى اتفاق سلام بين موسكو وكييف، وفي الوقت نفسه، طالب بجدية تامة بوقف واردات تركيا من النفط والغاز الروسي.


في المجمل، يجب الإقرار بأن هذا القرار الخطير، من ناحية، قد أضر بنوع من التفاؤل بإمكانية إنهاء الصراع، على الرغم من جهود ترامب الشاملة للسلام، وربما يزيد الأوضاع تعقيداً. ومن ناحية أخرى، قد يكون هدف فريق ترامب، بتشجيع من الأوروبيين، هو جعل الظروف أصعب على روسيا في الميدان، لدفعها إلى الترحيب بمقترحات ترامب لإنهاء الحرب برغبة أكبر وشروط أقل.


بالطبع، هناك أيضاً تهديد جدي بأنه في حال امتداد الحرب إلى جغرافية الناتو، ومع الأخذ في الاعتبار التطورات الدموية في الشرق الأوسط مع تجاوز نتنياهو للخطوط الحمراء، فإن فرضية حرب عالمية جديدة قد لا تكون بعيدة المنال؛ حرب يمكن أن تؤدي، مع التغيرات الأساسية في طبيعة الحرب في الألفية الثالثة، إلى التدمير الشامل للمجتمع البشري والوصول إلى عصر نهاية الرفاهية والأمن، مع خسائر بعشرات الملايين من الأرواح البريئة. في مثل هذه الظروف، يُعد دور ورسالة دعاة السلام والقادة السياسيين العقلانيين وذوي الرؤية المستقبلية في تشجيع الدول المتحاربة على السير نحو السلام والاستقرار وإنهاء الأزمات العالمية المتنوعة، أمراً بالغ الأهمية.

علي بمان إقبالي زارتش ، خبير أول في الدراسات الأوراسية
(مسؤولية محتوى المواد تقع على عاتق المؤلفين ولا تعبر عن آراء مركز الدراسات السياسية والدولية)

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است