في دورة هذا العام، ركز المتحدثون أكثر من أي وقت مضى على الوحدة في مواجهة الأزمات، لكن التناقضات مثل السياسات القومية الأمريكية والضعف الوظيفي للأمم المتحدة في الأزمات أظهرت ضعف نظام التعددية. كانت هناك محاور مشتركة في الخطابات، من الوضع في غزة والسلام إلى الذكاء الاصطناعي. وفي الفعاليات الجانبية للجمعية، التي تمحورت حول شعار "معاً أفضل"، أكدت الدول على ضرورة اتخاذ الدول الأعضاء إجراءات فورية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. هذه المواقف، دون تقديم التزامات ملموسة مثل ميزانية جديدة للأمم المتحدة، أظهرت أنه على الرغم من صراحة القادة، إلا أن مواقفهم كانت ذات طابع رمزي إلى حد كبير.
وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة، وهي على أعتاب عامها الثمانين، لديها فرصة للإصلاح من خلال التوافق العالمي، إلا أن المنافسات الجيوسياسية مثل الحرب في أوكرانيا أو الحرب في غزة تلقي بظلالها على تشكيل نظام جديد وإحياء التعددية. تسعى هذه المقالة إلى استعراض أهم القضايا ومناقشة نتائج الجمعية العامة لهذا العام.
١. التعاون متعدد الأطراف وإصلاح الأمم المتحدة
أشار معظم القادة، بمن فيهم الأمين العام للأمم المتحدة وحتى الولايات المتحدة، إلى أزمة التعددية وابتعاد الأمم المتحدة عن مكانتها الحقيقية. بالنظر إلى خفض التمويل الذي تقدمه أمريكا، مثل قطع الدعم عن اليونسكو ومجلس حقوق الإنسان، والشلل الذي أصاب مجلس الأمن، تحدث المتكلمون عن ضرورة "إعادة تصور" الأمم المتحدة. ودون اتخاذ قرار حاسم للمستقبل، طُرحت نقاشات مثل خفض عدد الموظفين بنسبة 20% وزيادة الكفاءة، ولكن حتى هذا الموضوع قوبل بالتحدي. ربما يمكن القول إن غالبية المتحدثين أعربوا عن قلقهم من الآثار المستقبلية للمنافسة الجيوسياسية بين أمريكا والصين، لكنهم لم يقدموا حلاً لتعزيز أو إعادة تصور الأمم المتحدة، التي تعد الرمز الأهم للتعددية.
٢. السلام والأمن العالمي
مع وصول الصراعات إلى أعلى مستوياتها منذ الحرب العالمية الثانية، أشار القادة إلى أزمات مثل هايتي (سيطرة العصابات المسلحة على 90% من العاصمة)، وغزة، وميانمار (أزمة الروهينجا). ركز خطاب ترامب على دعم عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة (مثل جنوب السودان)، لكن منع حضور محمود عباس (رئيس السلطة الفلسطينية) ودعوة نتنياهو، أبرز تناقضات حقوق الإنسان لدى الأنظمة الغربية. كما تمت الإشارة إلى المحور المشترك في الخطابات المتعلقة بالسلام والأمن الدوليين، مثل الحاجة إلى بعثات سلام جديدة ونزع السلاح النووي، دون إحراز تقدم حقيقي بسبب خلافات مجلس الأمن.
٣. التغير المناخي والتنمية المستدامة
عُقد اجتماع المناخ على هامش الجمعية هذا العام في 24 سبتمبر، بمشاركة قادة إسبانيا وبريطانيا وجنوب أفريقيا، إلى جانب المنظمات الدولية ونشطاء المناخ، وبكلمة افتتاحية للأمين العام. في هذا الاجتماع، قدم القادة البرامج والالتزامات الوطنية لاتفاق باريس وهدف الـ 1.5 درجة مئوية. وكان المحور المشترك للخطابات في هذا الصدد: الانتقال إلى الطاقة النظيفة والتعاون لمواجهة الأوبئة الناتجة عن المناخ. وعلى الرغم من التقدم في التقنيات النظيفة، فإن سياسات أمريكا، بما في ذلك خفض دعم الطاقة النظيفة، خلقت تحديات، لكن القادة أكدوا على الضرورة الملحة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.
٤. حوكمة الذكاء الاصطناعي والاستخدام العسكري للتكنولوجيا
يمكن اعتبار الحوار العالمي للذكاء الاصطناعي (AI) في 25 سبتمبر، موضوعاً مبتكراً في قمة هذا العام. ركز القادة على "الحوكمة الشاملة والمسؤولة" في مجال الذكاء الاصطناعي. وفي هذا الاجتماع، أعربوا عن قلقهم بشأن سرعة التطورات (التقدم السريع دون تنظيم) والمنافسة الأمريكية-الصينية. وحظيت أفريقيا بالاهتمام كمنطقة ذات إمكانات رقمية، لكن التخلف في البحث والبيانات يظهر الحاجة إلى التعاون. يُعد هذا المحور رمزاً لكيفية دمج التكنولوجيا في السلام والتنمية.
طرح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، موضوع سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي والحاجة إلى لوائح عالمية للأسلحة ذاتية التشغيل، وهو أمر كان جديداً نظراً لموقع أوكرانيا في التجربة المباشرة للحرب مع روسيا. أوكرانيا، بسبب الحرب مع روسيا (منذ 2014)، هي واحدة من أوائل الدول التي واجهت عملياً أسلحة تعتمد على الذكاء الاصطناعي وطائرات بدون طيار مستقلة في ساحة المعركة. وأشار زيلينسكي في خطابه إلى الاستخدام الواسع النطاق للطائرات الحربية بدون طيار والهجمات السيبرانية المعززة بالذكاء الاصطناعي من قبل روسيا. لهذا السبب، بدت تحذيراته موثوقة وملموسة من وجهة نظر الخبراء.
كان اختلافه عن القادة الآخرين في طرح موضوع الذكاء الاصطناعي بشكل غير مدني، بسبب العواقب العسكرية لاستخدام هذه التكنولوجيا في البعد العسكري، أكثر وضوحاً وإلحاحاً. وكانت عبارات مثل "أسلحة الذكاء الاصطناعي كسلاح ذي حدين" و"الحاجة إلى منع سباق التسلح" لافتة للنظر للخبراء. وبينما تحدث إيمانويل ماكرون من فرنسا أو جايشانكار من الهند عن الحاجة إلى حوكمة شاملة للذكاء الاصطناعي، طالب زيلينسكي بشكل خاص بإجراء فوري لتنظيم الأسلحة المستقلة والطائرات بدون طيار المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. واقترح أن تضع الأمم المتحدة أطراً جديدة لمنع سوء الاستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي، وهو ما تردد صداه أيضاً في الحوار العالمي للذكاء الاصطناعي في 25 سبتمبر.
٥. المساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان والتنمية البشرية
في اجتماع الذكرى الثلاثين لمؤتمر المرأة (22 سبتمبر)، تم التأكيد على تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين. شملت المحاور المشتركة: الصحة (الوقاية من الأمراض غير المعدية)، والتعليم (بسبب انخفاض المساعدات ومخاطر خروج 6 ملايين طفل إضافي من المدارس بحلول 2026)، والاقتصاد المرن (القمة نصف السنوية لتمويل التنمية). وركز القادة على الحد من عدم المساواة ودور الشباب في التعاون بين الأجيال.
أوروبا: قضية أوكرانيا والنضال لاستعادة المكانة
كان التركيز على "الوحدة الأوروبية والاستقلال الاستراتيجي" في مواجهة التهديدات الخارجية من السمات البارزة في خطابات القادة الأوروبيين. أكد القادة الأوروبيون، وخاصة من الاتحاد الأوروبي، على دور أوروبا كلاعب مستقل في عالم متعدد الأقطاب. قال إيمانويل ماكرون إن العالم "ينهار" ويجب على أوروبا أن ترد بمزيد من التعاون والاتحاد، بينما تحدثت أورزولا فون دير لاين (رئيسة المفوضية الأوروبية) في مجالات مرتبطة بالجمعية العامة، عن "خطوط المعركة من أجل نظام عالمي جديد قائم على القوة" وأكدت أن على أوروبا "النضال من أجل مكانتها". تعكس هذه السمة الانتقال من النهج التقليدي "الناعم" والمعياري لأوروبا نحو موقف "أكثر صلابة"، مع التركيز على الدفاع والتكنولوجيا والاقتصاد المرن. كما أشارت العديد من الخطابات إلى أزمة التعددية ووصفت الأمم المتحدة بأنها أداة لتعزيز الاتحاد الأوروبي، ولكن مع انتقاد ضعفها في مواجهة القوى الكبرى مثل روسيا والصين.
كان لدى بعض القادة الأوروبيين مثل ماكرون (فرنسا)، وأولاف شولتز (ألمانيا)، وكير ستارمر (بريطانيا)، وجورجيا ميلوني (إيطاليا)، وبيدرو سانشيز (إسبانيا)، وفولوديمير زيلينسكي (أوكرانيا)، وحتى سيرغي لافروف (روسيا) (رغم أن لروسيا وجهة نظر مختلفة) خطابات مشتركة ومتقاربة في محاور معينة. كان لديهم خطاب مشترك في دعم أوكرانيا وانتقاد روسيا. وأكد جميع القادة الأوروبيين تقريباً (باستثناء روسيا) على ضرورة الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا. وحذر زيلينسكي من أن العالم في "أكثر سباقات التسلح تدميراً في التاريخ" ويحتاج إلى اتحاد قوي لوقف روسيا. ووصف ماكرون إجراءات روسيا بأنها "تهديد لجميع شعوب أوروبا" وأكد على الوحدة الأوروبية. كما ركز شولتز وميلوني على تعزيز الدفاع الأوروبي لمواجهة التهديد الروسي.
ومع ذلك، اتخذت دول أوروبا الشرقية مثل بولندا وليتوانيا وأوكرانيا موقفاً أكثر تشدداً وأكدت على الدفاع العسكري القوي وتشديد العقوبات، بينما اتخذت دول غربية مثل فرنسا وألمانيا موقفاً أكثر حذراً تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية وركزت أكثر على الدبلوماسية والمفاوضات. هذه النقاط المشتركة، تعكس سعي أوروبا لتقديم صوت واحد في مواجهة التاليات العالمية، خاصة في مجالي الأمن والتنمية.
في القضايا الاقتصادية والهجرة، ركزت إيطاليا وبريطانيا على السيطرة على الهجرة والسياسات الاقتصادية الداخلية، بينما أكدت فرنسا على الاستقلال الاقتصادي الأوروبي عن أمريكا والصين. هذا الاختلاف في الأولويات يعبر عن أن دول جنوب أوروبا (إيطاليا، إسبانيا) كانت تركز أكثر على الهجرة والاقتصاد، بينما اعتبرت الدول الشمالية الأولوية للتكنولوجيا والدفاع. وبينما أكد زيلينسكي وميلوني على التحالف مع أمريكا، دافع ماكرون وشولتز عن الاستقلال الاستراتيجي لأوروبا.
أفريقيا: انعكاس التضامن القاري
كان التأكيد على "العدالة التاريخية" وزيادة نفوذ أفريقيا في المؤسسات العالمية من السمات البارزة في خطابات قادة الدول الأفريقية. شدد القادة الأفارقة، مشيرين إلى عدد سكان القارة البالغ 1.5 مليار نسمة ودورها في عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة، على إصلاح الهياكل غير العادلة مثل مجلس الأمن. اعتبرت جنوب أفريقيا الهيكل الحالي لمجلس الأمن "غير شرعي" وطالبت بالتمثيل الدائم لأفريقيا في المجلس، بينما وصف قادة أفارقة آخرون هذا بـ "الظلم التاريخي". إن اتخاذ هذا النهج المشترك يظهر أفريقيا كلاعب رئيسي في العالم متعدد الأقطاب، ويعكس التضامن القاري والانتقاد المستمر للقوى الغربية كجزء من السياسة الخارجية لهذه الدول.
كان موضوع إصلاح المؤسسات العالمية والتعددية مشتركاً أيضاً بين القادة الأفارقة. تمثلت مطالبهم في الطلب الفوري بالحصول على مقعد تمثيل دائم لأفريقيا في مجلس الأمن وتقليل سلطة "الفيتو"، مع التأكيد على دور أفريقيا في نصف إجمالي جداول أعمال مجلس الأمن مثل النزاعات في السودان والكونغو. وفيما يتعلق بالسلام والأمن الدوليين، تضمنت خطابات القادة الأفارقة إشارات إلى الصراعات الإقليمية في السودان والكونغو ومنطقة الساحل، والأزمات العالمية مثل غزة وأوكرانيا، مع إدانة التطهير العرقي في غزة والإشارة إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.
كما وصف القادة الأفار G( التغير المناخي والعدالة المناخية بأنه "تهديد وجودي" يضر بأفريقيا أكثر من حصتها الضئيلة من انبعاثات الكربون. وأكدوا على المطالبة بالاستثمار الكامل في "صندوق الخسائر والأضرار" وتنفيذ اتفاق باريس. وانتقد القادة الأفارقة "تسليح التجارة" وطالبوا بتمويل مستدام لأهداف التنمية، مع التأكيد على قمة الرؤساء نصف السنوية للتمويل. وأشاروا أيضاً إلى دور أفريقيا في حوكمة الذكاء الاصطناعي نظراً لقوتها الشابة البالغة 1.4 مليار نسمة بحلول عام 2050، وأعربوا عن قلقهم من انخفاض تمويل الصحة العالمية، مما يفاقم الأوبئة الناتجة عن المناخ.
ومن النقاط اللافتة والمشتركة في خطابات الرؤساء الأفارقة، التضامن مع فلسطين والتأكيد على حل الدولتين، ومقارنة الفلسطينيين بالأفارقة في تاريخ مناهضة الاستعمار، وتقديم صورة حقوقية للسياسة والحكم في هذه القارة.
قضية فلسطين وغزة
كانت قضية فلسطين وغزة من أبرز الموضوعات في خطابات هذا العام، وتناولها جميع القادة تقريباً، حتى القادة الغربيين والأوروبيين. يجب الإشارة إلى القمة الخاصة التي عُقدت بمبادرة من المملكة العربية السعودية وفرنسا على هامش الجمعية العامة، والتي تلاها اعتراف بريطانيا بفلسطين، وتبعتها 9 دول أخرى في هذا الاعتراف. كما أعلنت اليابان أنها ستصدر قريباً إعلاناً بالاعتراف بفلسطين، وأعلنت الدنمارك وهولندا أن بلديهما سيعترفان بفلسطين في تاريخ لاحق.
في الجمعية العامة لهذا العام، أظهر قادة الدول، على الرغم من الاختلافات الجيوسياسية، تلاقياً في الغالب حول القضية الفلسطينية، مما يعكس إجماعاً عالمياً على إلحاح القضية. وصفت غالبية الخطابات هذه الأزمة بأنها "الحضيض الإنساني". وكانت المحاور المشتركة في الخطابات كما يلي:
1. إدانة الأزمة الإنسانية والعنف في غزة: وصف أعمال إسرائيل بأنها "عقاب جماعي"، "تدمير منهجي"، وانتهاك لحقوق الإنسان. المتحدثون أدانوا هذه الإجراءات، ووصفوا مقتل طفل فلسطيني كل ساعة وانهيار النظام الصحي بأنه "الحضيض الإنساني". مع تفاقم الأوضاع في غزة، تسارعت وتيرة الاعتراف بدولة فلسطين. قُتل أكثر من 66,000 فلسطيني، من بينهم مدنيون وعسكريون وعاملون في المجال الإنساني وصحفيون. وتقول منظمة "أنقذوا الأطفال" إن أكثر من 20,000 طفل فلسطيني فقدوا أرواحهم على يد الجيش الإسرائيلي منذ بداية الأزمة.
2. المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار والوصول الإنساني: إجماع على الوقف الفوري للصراعات، وإطلاق سراح جميع الرهائن، ودخول المساعدات الإنسانية إلى غزة دون عوائق.
3. دعم حل الدولتين والاعتراف بفلسطين: قادة مثل لولا دا سيلفا (البرازيل)، وسوبيانتو (إندونيسيا)، ورامافوزا (جنوب أفريقيا) أكدوا على تشكيل دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، واعتبروا هذا هو السبيل الوحيد لإرساء سلام دائم. أعلنت حوالي 156 دولة الآن اعترافها الرسمي بدولة فلسطين المستقلة، وهو ما يمثل ما يزيد قليلاً عن 80٪ من أعضاء الأمم المتحدة.
4. انتقاد شلل الأمم المتحدة وانتهاك القوانين الدولية: مع الإشارة إلى "التواطؤ بالصمت" من قبل القوى الكبرى، تم التأكيد على ضرورة تنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية (ICJ) والمساءلة العالمية.
كانت القضية الفلسطينية هي القضية الوحيدة التي كان لـ "الجنوب العالمي" و"الغرب" فيها قواسم مشتركة (مع اختلاف في الأسالideos)، وانعكس ذلك في العزلة العالمية للنظام الإسرائيلي في الساحة الدولية والجمعية العامة.
أما بالنسبة لنقاط الافتراق والمقترحات، فعلى الرغم من الإجماع العام، كانت هناك بعض الافتراقات التي تعود بشكل رئيسي إلى الموقف السياسي وعلاقات كل دولة مع إسرائيل. من ذلك، مستوى الإدانة والمصطلحات المستخدمة، مثل استخدام كلمة "إبادة جماعية" واتهام إسرائيل بـ "جرائم حرب" مقابل استخدام مصطلح "تدمير منهجي". كما طُرحت مقترحات، منها: إرسال 20 ألف جندي حفظ سلام إلى غزة (من قبل إندونيسيا)، والوساطة المصرية الأمريكية (التي قدمتها قطر)، وطلب تشكيل جيش حماية دولي للفلسطينيين (من قبل كولومبيا).
ربط قادة الأردن والبرازيل القضية الفلسطينية بالقضايا الإقليمية، مؤكدين على "تهديد إسرائيل الكبرى" للجيران (لبنان، سوريا) وحماية الأماكن المقدسة مثل المسجد الأقصى. في المقابل، تجاهل ترامب في خطابه هذا الحجم من الإدانة للأعمال الإسرائيلية اللاإنسانية وانتقد الدول التي اعترفت بفلسطين.
وبينما اقترحت الولايات المتحدة وضع غزة تحت "وصاية دولية" تشرف عليها هيئة مراقبة دولية، تدعم الدول الأوروبية والعربية لجنة من التكنوقراط الفلسطينيين، معتمدة من السلطة الفلسطينية. وعندما غادر أعضاء وفود أكثر من 50 دولة القاعة أثناء خطاب نتنياهو، تجلت ذروة عزلة النظام الإسرائيلي وأمريكا على المسرح العالمي. واتهم قادة كولومبيا والجزائر أمريكا بـ "التواطؤ في الإبادة الجماعية"، بينما ركز القادة الأوروبيون على الاعتراف بفلسطين دون فرض عقوبات.
على الرغم من هذا الحجم من الدعم والاهتمام بالقضية الفلسطينية، لا تزال ازدواجية القول والفعل موجودة على مستوى الدول. هذا المستوى من الانتقادات والهجمات، مع العجز عن اتخاذ إجراء، ليس سوى "خطابة بلا إجراء ملموس" ويعكس "التواطؤ بالصمت" الذي يساهم في تعميق الأزمة. وعلى الرغم من هذا الانهيار القيمي للنظام الدولي، ثبتت أمريكا دورها في إنهاء هذه الأزمة. إن عدم وجود ضغط اقتصادي حقيقي، مثل فرض حظر سلاح على إسرائيل أو قطع المساعدات المالية الأمريكية لتل أبيب، جعل غزة لا تزال تشهد أفظع أوضاعها، مع مقتل أكثر من 661 شخصاً في أسبوع واحد فقط ومقتل طفل كل ساعة.
بعد أسبوع من النشاط الدبلوماسي المكثف في الأمم المتحدة، لا يزال الغموض يكتنف كيف ومتى ستتحقق العدالة في القضية الفلسطينية، ومتى سنشهد وقف الإبادة الجماعية للفلسطينيين واحتلال أرضهم. لقد خلقت قضية فلسطين وغزة نمطاً لـ "الإفلات من العقاب" لقوات الاحتلال، وفقط في حال تشكل تعاون وتلاقٍ دولي بمحورية الدول الإسلامية والمستقلة والأمم المتحدة، يمكن لهذه القضية أن تتجاوز محكمة العدل الدولية وتفعّل آليات تنفيذية مثل عقوبات مجلس الأمن.
محمد جواد شريعتي، خبير أول في مركز الدراسات السياسية والدولية
(مسؤولية محتوى المواد تقع على عاتق المؤلفين ولا تعبر عن آراء مركز الدراسات السياسية والدولية)